responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 443
سِيرِينَ إِلَّا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِدَّتُهُنَّ مِثْلُ الْحَرَائِرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالَتْ طَوَائِفُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِنَّ إِجْمَاعَ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى تَنْصِيفِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا لَمِنْ مُعْضِلَاتِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، فَبِنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَإِلَى حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّنْصِيفِ لِذِي الرِّقِّ، فِيمَا نَصِفُ لَهُ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَنَرَى بِمَسْلَكِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِحِكْمَةٍ تُحَقِّقُ النَّسَبَ أَوْ عَدَمَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِقَصْدِ الْإِحْدَادِ عَلَى الزَّوْجِ، لَمَّا نَسَخَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْإِحْدَادِ حَوْلًا كَامِلًا، أَبْقَى لَهُنَّ ثُلُثَ الْحَوْلِ، كَمَا أَبْقَى لِلْمَيِّتِ حَقَّ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهَا حِكْمَةٌ غَيْرُ هَذَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِيهَا مَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ مِنْ حِكْمَةِ انْتِظَارِ نَدَامَةِ الْمُطَّلِقِ، وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي بِصَالِحٍ لِلتَّعْلِيلِ، لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ أَنْ تُقَرِّرَ أَوْهَامَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَبْقَى مِنْهُ تُرَاثًا سَيِّئًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ عُهِدَ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِسْلَامِ إِبْطَالُ تَهْوِيلِ أَمْرِ الْمَوْتِ وَالْجَزَعِ لَهُ، الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الشَّرِيعَةِ، وَلِأَنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ مِنَ الْوَفَاةِ وَضْعُ حَمْلِهَا، فَلَوْ كَانَتْ عِدَّةَ غَيْرِ الْحَامِلِ لِقَصْدِ اسْتِبْقَاءِ الْحُزْنِ لَاسْتَوَتَا فِي الْعِدَّةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ حِكْمَةَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ هِيَ تَحَقُّقُ الْحَمْلِ أَوْ عَدَمُهُ، فَلْنَنْقُلِ النَّظَرَ إِلَى الْأَمَةِ نَجِدْ فِيهَا وَصَفَّيْنِ: الْإِنْسَانِيَّةُ وَالرِّقُّ، فَإِذَا سَلَكْنَا إِلَيْهِمَا طَرِيقَ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ، وَجَدْنَا الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ لِتَعْلِيلِ الِاعْتِدَادِ الَّذِي حِكْمَتُهُ تَحَقُّقُ النَّسَبِ هُوَ وَصْفُ الْإِنْسَانِيَّةِ إِذِ الْحَمْلُ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ أَصْنَافِ النِّسَاءِ وَأَحْوَالُهُنَّ الِاصْطِلَاحِيَّةُ أَمَّا الرِّقُّ فَلَيْسَ وَصْفًا صَالِحًا لِلتَّأْثِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا نُصِّفَتْ لِلْعَبْدِ أَحْكَامٌ تَرْجِعُ إِلَى الْمُنَاسِبِ التَّحْسِينِيِّ: كَتَنْصِيفِ الْحَدِّ لِضَعْفِ مُرُوءَتِهِ، وَلِتَفَشِّي السَّرِقَةِ فِي الْعَبِيدِ، فَطُرِدَ حُكْمُ التَّنْصِيفِ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ.
وَتَنْصِيفُ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، لِعِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِي مُرَاجَعَةِ أَمْثَالِهَا، فَإِذَا جَاءَ رَاغِبٌ فِيهَا بَعْدَ قُرْأَيْنِ تَزَوَّجَتْ، وَيَطَّرِدُ بَابُ التَّنْصِيفِ أَيْضًا. فَالْوَجْهُ أَنْ تَكُونَ عِدَّةُ
الْوَفَاةِ لِلْأَمَةِ كَمِثْلِ الْحُرَّةِ، وَلَيْسَ فِي تَنْصِيفِهَا أَثَرٌ، وَمُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ.
وَأَمَّا الْحَوَامِلُ فَالْخِلَافُ فِيهِنَّ قَوِيٌّ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ عِدَّتَهُنَّ مِنَ الْوَفَاةِ وَضْعُ حَمْلِهِنَّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالك، عُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرُ: «لَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَزَوْجَهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ لَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ» وَحُجَّتُهُمْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 443
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست