responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 437
عَنْ مَالِكٍ قَالَ:
«وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ هُوَ مَنْسُوخٌ فَقَالَ النَّحَّاسُ: «مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ بَيَّنَ مَا النَّاسِخُ، وَالَّذِي يُبَيِّنُهُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةَ حَوْلٍ، وَالسُّكْنَى مِنْ مَالِ الْمُتَوَفَّى، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ نَسْخٌ أَيْضًا عَنِ الْوَارِثِ» يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا نَسَخَ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ نَسَخَ كُلَّ حَقٍّ فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمِيرَاثِ، فَيَكُونُ النَّاسِخُ هُوَ الْمِيرَاثَ، فَإِنَّهُ نَسَخَ كُلَّ حَقٍّ فِي الْمَالِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ.
وَعِنْدِي أَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي فِي «مُدَوَّنَةِ سَحْنُونٍ» بَعِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَأَنَّ مَا نَحَاهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ، وَأَنَّ النَّسْخَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُرَادِ مِنْهُ، وَالنَّاسِخَ لِهَذَا الْحُكْمِ هُوَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، بَعْدَ جِهَازِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، إِلَّا الْمِيرَاثَ فَنَسَخَ بِذَلِكَ كُلَّ مَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَنْ يُدْفَعَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ [الْبَقَرَة: 180] الْآيَةَ، وَمِثْلَ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الزَّوْجَةِ وَإِنْفَاقِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [الْبَقَرَة:
240] وَنُسِخَ مِنْهُ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ وَذَلِكَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَّا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»
هَذَا إِذَا حُمِلَ الْوَارِثُ فِي الْآيَةِ عَلَى وَارِثِ الْمَيِّتِ أَيْ إِنَّ ذَلِكَ
حَقٌّ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَيًّا كَانُوا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَبْدَأُ الْمَوَارِيثِ. وَإِذَا حُمِلَ الْوَارِثُ عَلَى مَنْ هُوَ بِحَيْثُ يَرِثُ الْمَيِّتَ لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ مَالًا، أَعْنِي قَرِيبَهُ، بِمَعْنَى أَنَّ عَلَيْهِ إِنْفَاقَ ابْنِ قَرِيبِهِ، فَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِوَضْعِ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ شَرَعَتْ هَذَا الْحُكْمَ فِي وَقْتِ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، لِإِقَامَةِ أَوَدِ نِظَامِهِمْ بِتَرْبِيَةِ أَطْفَالِ فُقَرَائِهِمْ، وَكَانَ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الطِّفْلِ فَكَمَا كَانَ يَرِثُ قَرِيبَهُ، لَوْ تَرَكَ مَالًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَكَذَلِكَ عَلَيْهِ أَن يُقَام بِبَيِّنَةٍ، كَمَا كَانَ حُكْمُ الْقَبِيلَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي ضَمِّ أَيْتَامِهِمْ وَدَفْعِ دِيَاتِهِمْ، فَلَمَّا اعْتَزَّ الْإِسْلَامُ صَار لِجَامِعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَالٌ، كَانَ حَقًّا عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِتَرْبِيَةِ أَبْنَاءِ فُقَرَائِهِمْ،
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ تَرَكَ كَلًّا، أَوْ ضَيَاعًا، فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَارِثِهِ»
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِطْعَامِ الْفَقِيرِ وَبَيْنَ إِرْضَاعِهِ، وَمَا هُوَ إِلَّا نَفَقَةٌ، وَلِمَثَلِهِ وُضِعَ بَيْتُ الْمَالِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ لِأَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ عَنْهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْوَالِدَةِ وَالْمَوْلُودِ لَهُ الْوَاقِعَيْنِ فِي الْجُمَلِ قَبْلَ هَذِهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 437
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست