responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 42
بِهَذَا التَّذْيِيلِ الْجَامِعِ لِمَعَانٍ سَامِيَةٍ، طَيًّا لِبِسَاطِ الْمُجَادَلَةِ مَعَ الْيَهُودِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْمُخَاطَبَاتِ «دَعْ هَذَا» أَوْ «عُدْ عَنْ هَذَا» ، وَالْمَعْنَى أَنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ اتِّجَاهًا مِنَ الْفَهْمِ وَالْخَشْيَةِ عِنْدَ طَلَبِ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ. وَهَذَا الْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيِ اتْرُكُوا مُجَادَلَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُهِمَّنَّكُمْ خِلَافُهُمْ فَإِنَّ خِلَافَ الْمُخَالِفِ لَا يُنَاكِدُ حَقَّ الْمُحِقِّ. وَفِيهِ صَرْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَهْتَمُّوا بِالْمَقَاصِدِ وَيَعْتَنُوا بِإِصْلَاحِ مُجْتَمَعِهِمْ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [الْبَقَرَة: 177] الْآيَةَ، وَلِذَلِكَ أعقبه بقوله: اسْتَبِقُوا
الْخَيْراتِ
، فَقَوله: يْنَ مَا تَكُونُوا
فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ. فَهَكَذَا تَرْتِيبُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ كَتَرْتِيبِ الْخُطَبِ بِذِكْرِ مُقَدِّمَةٍ وَمَقْصِدٍ وَبَيَانٍ لَهُ وَتَعْلِيلٍ وَتَذْيِيلٍ.
وَ (كُلِّ) اسْمٌ دَالٌّ عَلَى الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ، وَهُوَ مُبْهَمٌ يَتَعَيَّنُ بِمَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ فَإِذَا حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ عُوِّضَ عَنْهُ تَنْوِينُ كُلٍّ وَهُوَ التَّنْوِينُ الْمُسَمَّى تَنْوِينُ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَهُوَ عِوَضٌ عَنْهُ.
وَحَذْفُ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (كُلُّ) هُنَا لِدَلَالَةِ الْمُقَامِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُ هَذَا الْمَحْذُوفِ (أُمَّةٌ) لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْأُمَمِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا الْمُضَافُ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفُ يُقَدَّرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مِنْ لَفْظِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: 285] أَوْ يُقَدَّرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ دُونَ لَفْظٍ تَقَدَّمَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ [النِّسَاء: 33] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَمِنْهُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى تَخَالُفِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ فِي قِبْلَةِ الصَّلَاةِ، فَالتَّقْدِيرُ وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وِجْهَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ [الْبَقَرَة: 116] .
وَالْوِجْهَةُ حَقِيقَتُهَا الْبُقْعَةُ الَّتِي يُتَوَجَّهُ إِلَيْهَا فَهِيَ وَزْنُ فِعْلَةِ مُؤَنَّثُ فِعْلٍ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ ذِبْحٍ، وَلِكَوْنِهَا اسْمَ مَكَانٍ لَمْ تُحْذَفِ الْوَاوُ الَّتِي هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ عِنْدَ اقْتِرَانِ الِاسْمِ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ حَذْفَ الْوَاوِ فِي مِثْلِهِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي فِعْلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ.
وَتُسْتَعَارُ الْوِجْهَةُ لِمَا يَهْتَمُّ بِهِ الْمَرْءُ مِنَ الْأُمُورِ تَشْبِيهًا بِالْمَكَانِ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهِ تَشْبِيهَ مَعْقُول بمحسوس، ولفظجْهَةٌ
فِي الْآيَةِ صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَالتَّعْبِيرُ بِهِ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ وَهُوَ مِنَ الْمَحَاسِنِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَة: 48] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست