responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 38
أَوْ تَحْقِيقِ حُصُولِ الْجَزَاءِ أَوْ تَهْوِيلِ بَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْغَرَضِ الْمَسُوقِ لِأَجْلِهِ الشَّرْطُ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ هُنَا عَنِ الْوَحْيِ وَالْيَقِينِ الْإِلَهِيِّ إِعْلَانٌ بِتَنْوِيهِ شَأْنِ الْعِلْمِ وَلَفْتٌ لِعُقُولِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَيْهِ لِمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: لَمِنَ الظَّالِمِينَ أَقْوَى دلَالَة على الانصاف بِالظُّلْمِ مِنْ إِنَّك لظَالِم كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [الْبَقَرَة: 67] .
وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الظَّالِمُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلِلظُّلْمِ مَرَاتِبُ دَخَلَتْ كُلُّهَا تَحْتَ هَذَا الْوَصْفِ
وَالسَّامِعُ يَعْلَمُ إِرْجَاعَ كُلِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ إِلَى ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ ظُلْمِ النَّفْسِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى عَقَائِدِهِمُ الضَّالَّةِ فَيَنْتَهِي ظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْكُفْرِ الْمُلْقِي فِي خَالِدِ الْعَذَابِ.
قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ إِنَّ قَرِيبًا مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [الْبَقَرَة: 120] فَعَبَّرَ هُنَالِكَ بَاسْمِ الْمَوْصُولِ (الَّذِي) وَعَبَّرَ هَنَا بَاسْمِ الْمَوْصُولِ (مَا) ، وَقَالَ هُنَالِكَ «بَعْدَ» وَقَالَ هُنَا «مِنْ بَعْدِ» ، وَجَعَلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ هُنَالِكَ انْتِفَاءَ وَلِيٍّ وَنَصِيرٍ، وَجَعَلَ الْجَزَاءَ هُنَا أَنْ يَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ صَاحِبُ «دُرَّةُ التَّنْزِيلِ وَغُرَّةُ التَّأْوِيلِ» [1] وَحَاوَلَ إِبْدَاءَ خُصُوصِيَّاتٍ تُفَرِّقُ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْآيَتَانِ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يَشْفِي، وَالَّذِي يُرْشِدُ إِلَيْهِ كَلَامُهُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ (الَّذِي) وَ (مَا) وَإِنْ كَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَنَّهُمَا اسْمَا مَوْصُولٍ إِلَّا أَنَّهُمَا الْأَصْلُ فِي الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُولَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَرَضِ الْآيَةِ الْأُولَى هُوَ الْعِلْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَصْلِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِبُطْلَانِ مِلَّةِ الْيَهُودِ وَمِلَّةِ النَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ، وَبِإِثْبَاتِ عِنَادِ الْفَرِيقَيْنِ فِي صِحَّةِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ [الْبَقَرَة: 116]- إِلَى قَوْلِهِ- قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى [الْبَقَرَة: 120] ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَصْرَحَ الْعِلْمِ وَأَقْدَمَهُ، وَكَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ الصَّرِيحِ فِي التَّعْرِيفِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِإِبْطَالِ قِبْلَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّهَا مَسْبُوقَةٌ بِبَيَانِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [الْبَقَرَة: 142] وَذَلِكَ تَشْرِيعٌ فَرْعِيٌّ فَالتَّحْذِيرُ الْوَاقِعُ بَعْدَهُ تَحْذِيرٌ مِنَ اتِّبَاعِ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَمْرِ

[1] وَهُوَ الإِمَام فَخر الدَّين الرَّازِيّ المتوفي سنة (606 هـ) . تكلم فِيهِ على الْآيَات المتكررة بالكلمات المتفقة والمختلفة الَّتِي يقْصد الْمُلْحِدُونَ التطلاق مِنْهَا إِلَى عيبها، وَأجَاب عَنْهَا.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست