responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 374
فِي هَذَا الشَّأْنِ قَدْ يَلْتَبِسُ بِغَيْرِ التَّنَزُّهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ التَّنَزُّهَ عَنْهُ، مَعَ احْتِمَالِ الْمَحَبَّةِ عَنْهُ لِمَعْنَى التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِمَةِ مِثْلَ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التَّوْبَة: 108] ، وَاحْتِمَالُهَا لِمَعْنَى: وَيُبْغِضُ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ مَا هُوَ كَالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَجُعِلْنَ حَرْثًا عَلَى احْتِمَالِ وُجُوهٍ فِي الشَّبَهِ فَقَدْ يُقَال: إِنَّهُ وُكِّلَ لِلْمَعْرُوفِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ جُعِلَ شَائِعًا فِي الْمَرْأَةِ، فَلِذَلِكَ نِيطَ الْحُكْمُ بِذَاتِ النِّسَاءِ كُلِّهَا، ثُمَّ قَالَ: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ فَجَاءَ بِأَنَّى الْمُحْتَمِلَةِ لِلْكَيْفِيَّاتِ وَلِلْأَمْكِنَةِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الْأَمْكِنَةِ وَوَرَدَتْ فِي الْكَيْفِيَّاتِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَرِدُ لِلْأَزْمِنَةِ فَاحْتُمِلَ كَوْنُهَا أَمْكِنَةَ الْوُصُولِ مِنْ هَذَا الْإِتْيَانِ، أَوْ أَمْكِنَةَ الْوُرُودِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مَقْصُودٍ فَهِيَ أَمْكِنَةُ ابْتِدَاءِ الْإِتْيَانِ أَوْ أَمْكِنَةُ الِاسْتِقْرَارِ فَأُجْمِلَ فِي هَذَا كُلِّهِ إِجْمَالٌ بَدِيعٌ وَأُثْنِيَ ثَنَاءٌ حَسَنٌ.
وَاخْتِلَافُ مَحَامِلِ الْآيَةِ فِي أَنْظَارِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ طَوْعُ عِلْمِ الْمُتَأَمِّلِ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَمَذَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ لِفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي كُتُبِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكُتُبِ السُّنَّةِ، وَفِي دَوَاوِينِ الْفِقْهِ، وَقَدِ اقْتَصَرْنَا عَلَى الْآثَارِ الَّتِي تَمَّتْ إِلَى الْآيَةِ بِسَبَبِ نُزُولٍ، وَتَرَكْنَا مَا عَدَاهُ إِلَى أَفْهَامِ الْعُقُولِ.
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَوْ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْأَمْرُ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّطَهُّرِ فَكُرِّرَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِالْحِرْصِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى اللَّذَائِذِ الْعَاجِلَةِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ وَقَدِّمُوا اخْتِصَارًا لِظُهُورِهِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ هُنَا إِعْدَادُ الْحَسَنَاتِ فَإِنَّهَا
بِمَنْزِلَةِ الثَّقَلِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ الْمُسَافِرُ.
وَقَوْلُهُ: لِأَنْفُسِكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ قَدِّمُوا، وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَيْ لِأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ أَيْ لِنَفْعِهَا، وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ تَحْرِيضٌ عَلَى امْتِثَالِ الشَّرْعِ بِتَجَنُّبِ الْمُخَالَفَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ التَّخَلِّي عَنِ السَّيِّئَاتِ وَالتَّحَلِّي بِالْوَاجِبَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، فَمَضْمُونُهَا أَعَمُّ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ فَلِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ تَذْيِيلًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 374
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست