responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 357
عَلَى هَذَا: التَّشْرِيعُ وَالتَّعْرِيضُ إِذِ التَّعْرِيضُ يُجَامِعُ الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ وَالْكِنَايَةُ تَقَعُ مَعَ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ.
وَجُمْلَةُ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَالْمُخَالَطَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْخَلْطِ وَهُوَ جَمْعُ الْأَشْيَاءِ جَمْعًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فِيمَا تُرَادُ لَهُ، فَمِنْهُ خَلْطُ الْمَاءِ بِالْمَاءِ والقمح وَالشعِير وَخَلْطُ النَّاسِ وَمِنْهُ اخْتَلَطَ الْحَابِلُ بِالنَّابِلِ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي شِدَّةِ الْمُلَابَسَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى إِصْلَاحِ الْمَالِ وَالتَّرْبِيَةِ عَنْ بُعْدٍ فَيَشْمَلُ الْمُصَاحَبَةَ وَالْمُشَارَكَةَ وَالْكَفَالَةَ وَالْمُصَاهَرَةَ إِذِ الْكُلُّ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُخَالَطَةِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِخْوانُكُمْ جَوَابُ الشَّرْطِ وَلِذَلِكَ قُرِنَ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِمُبَاشَرَةِ أَدَاةِ الشَّرْطِ وَلِذَلِكَ فَ (إِخْوَانُكُمْ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ،
وَهُوَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمُشَاوَرَةَ وَالرِّفْقَ وَالنُّصْحَ. وَنَقَلَ الْفَخْرُ عَنِ الْفَرَّاءِ «لَوْ نَصَبْتَهُ كَانَ صَوَابًا بِتَقْدِيرِ فَإِخْوَانَكُمْ تُخَالِطُونَ» وَهُوَ تَقْدِيرٌ سَمِجٌ، وَوُجُودُ الْفَاءِ فِي الْجَوَابِ يُنَادِي عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَبَعْدُ فَمَحْمَلُ كَلَامِ الْفَرَّاءِ عَلَى إِرَادَةِ جَوَازِ تَرْكِيبِ مِثْلِهِ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ لَا عَلَى أَنْ يُقْرَأَ بِهِ، وَلَعَلَّ الْفَرَّاءُ كَانَ جَرِيئًا عَلَى إِسَاغَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِمَا يُسَوَّغُ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ دُونَ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَثُّ عَلَى مُخَالَطَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُمْ إِخْوَانًا كَانَ مِنَ الْمُتَأَكَّدِ مُخَالَطَتُهُمْ وَالْوِصَايَةُ بِهِمْ فِي هَاتِهِ الْمُخَالَطَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا إِخْوَانًا وَجَبَ بَذْلُ النُّصْحِ لَهُمْ كَمَا يُبْذَلُ لِلْأَخِ
وَفِي الْحَدِيثِ «حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»
، وَيُتَضَمَّنُ ذَلِكَ التَّعْرِيضَ بِإِبْطَالِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنِ احْتِقَارِ الْيَتَامَى وَالتَّرَفُّعِ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُصَاهَرَتِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النِّسَاء: 127] أَيْ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ فَيَبْطُلُ التَّرَفُّعُ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنِ الْإِخْبَارِ بِعِلْمِ اللَّهِ الْإِخْبَارُ بِتَرَتُّبِ آثَارِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَجَنُّبِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى تَنَزُّهٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْمُتَصَرِّفَ بِصَلَاحٍ وَالْمُتَصَرِّفَ بِغَيْرِ صَلَاحٍ وَفِيهِ أَيْضًا تَرْضِيَةٌ لِوُلَاةِ الْأَيْتَامِ فِيمَا يَنَالُهُمْ مِنْ كَرَاهِيَةِ بَعْضِ مَحَاجِيرِهِمْ وَضَرْبِهِمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَمَا يُلَاقُونَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْخَصَاصَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصِدَ الْأَعْظَمَ هُوَ إِرْضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لَا إِرْضَاءُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ لَا يَهْتَمُّونَ إِلَّا بِمَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانُوا يُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 357
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست