responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 344
أَشَدُّ أَنْوَاعِ التَّعَلُّقِ، وَهِيَ هُنَا ظَرْفِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ شَائِعَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَجُعِلَتِ الظَّرْفِيَّةُ مُتَعَلِّقَةً بِذَاتِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمُرَادُ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا الْمُعْتَادِ.
وَاخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِالْإِثْمِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مُتَعَاطِي شُرْبِهَا بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ إِثْمٌ كَبِيرٌ بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ الْكَافِ وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (كَثِيرٌ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ مجَازًا اسْتُعِيرَ وَصْفُ الْكَثِيرِ لِلشَّدِيدِ تَشْبِيهًا لِقُوَّةِ الْكَيْفِيَّةِ بِوَفْرَةِ الْعَدَدِ.
وَالْمَنَافِعُ: جُمَعُ مَنْفَعَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ عَلَى وَزْنِ مَفْعَلَةٍ وَأَصْلُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِيمِيًّا قُصِدَ مِنْهُ قُوَّةُ النَّفْعِ، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمِيمِيَّ أَبْلَغُ مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ الْمَبْنِي. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَكَانٍ دَالًّا عَلَى كَثْرَةِ مَا فِيهِ كَقَوْلِهِمْ مَسْبَعَةٌ وَمَقْبَرَةٌ أَيْ يَكْثُرُ فِيهِمَا النَّفْعُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ، فَالْمَنْفَعَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَبْلَغُ مِنَ النَّفْعِ.
وَالْإِثْمُ الَّذِي فِي الْخَمْرِ نَشَأَ عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى شُرْبِهَا تَارَةً مِنَ الْإِفْرَاطِ فِيهِ وَالْعَرْبَدَةِ مِنْ تَشَاجُرٍ يَجُرُّ إِلَى الْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَفِيهَا ذَهَابُ الْعَقْلِ وَالتَّعَرُّضُ لِلسُّخْرِيَةِ، وَفِيهَا ذَهَابُ الْمَالِ فِي شُرْبِهَا، وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى النَّدَامَى حَتَّى كَانُوا رُبَّمَا رَهَنُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ الْخَمَّارِينَ قَالَ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ:
وَلَسْنَا بِشَرْبٍ أُمَّ عَمْرٍو إِذَا انْتَشَوْا ... ثِيَابُ النَّدَامَى عِنْدَهُمْ كَالْمَغَانِمِ

وَلَكِنَّنَا يَا أُمَّ عَمْرٍو نَدِيمُنَا ... بِمَنْزِلَةِ الرَّيَّانِ لَيْسَ بِعَائِمِ
وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
وَإِذَا سَكِرْتُ فَإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ ... مَالِي وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ
وَكَانُوا يَشْتَرُونَ الْخَمْرَ بِأَثْمَانٍ غَالِيَةٍ وَيَعُدُّونَ الْمُمَاكَسَةَ فِي ثَمَنِهَا عَيْبًا، قَالَ لَبِيدٌ:
أُغْلِي السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقٍ ... أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا
وَمِنْ آثَامِهَا مَا قَرَّرَهُ الْأَطِبَّاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهَا تُورِثُ الْمُدْمِنِينَ عَلَيْهَا أَضْرَارًا فِي الْكَبِدِ وَالرِّئَتَيْنِ وَالْقَلْبِ وَضَعْفًا فِي النَّسْلِ، وَقَدِ انْفَرَدَ الْإِسْلَامُ عَنْ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ بِتَحْرِيمِهَا، لأجل مَا فِيهَا مِنَ الْمَضَارِّ فِي الْمُرُوءَةِ حَرَّمَهَا بَعْضُ الْعَرَبِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمِمَّنْ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ بِسَبَبِ أَنَّهُ شَرِبَ يَوْمًا حَتَّى سَكِرَ فَجَذَبَ ابْنَتَهُ وَتَنَاوَلَ ثَوْبَهَا، وَرَأَى الْقَمَر فَتكلم مَعَه كَلَامًا، فَلَمَّا أُخْبِرَ بِذَلِكَ حِينَ صَحَا آلَى لَا يَذُوقُ خَمْرًا مَا عَاشَ وَقَالَ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 344
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست