responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 339
أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ التَّشْرِيعِيَّةَ وَهِيَ حَفِظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسَبِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ هِيَ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كُنَّا نُسَاعِدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا نَظَرَتْ إِلَى حِفْظِ هَاتِهِ الْأُمُورِ فِي تَشْرِيعَاتِهَا، وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ مُرَاعَاةً بِاطِّرَادٍ فِي غَيْرِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ فَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ يَتِمُّ، عَلَى أَنَّ مُرَاعَاتِهَا دَرَجَاتٍ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْبَحْثِ فِي هَذَا بَيْدَ أَنَّ كُتُبَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَلَا التَّنْزِيهُ عَنْ شُرْبِهَا، وَفِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بِيَدِ الْيَهُودِ أَنَّ نُوحًا شَرِبَ الْخَمْرَ حَتَّى سَكِرَ، وَأَنَّ لُوطًا شَرِبَ الْخَمْرَ حَتَّى سَكِرَ سُكْرًا أَفْضَى بِزَعْمِهِمْ إِلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ، وَالْأَخِيرُ مِنَ الأكاذيب لِأَن النبوءة تَسْتَلْزِمُ الْعِصْمَةَ، وَالشَّرَائِعُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي إِبَاحَةِ أَشْيَاءَ فَهُنَالِكَ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى نَقْصِهِمْ فِي أَنْظَارِ الْعُقَلَاءِ، وَالَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ: أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَا يَأْتِيهِ الْأَنْبِيَاءُ لَا يَشْرَبُهَا شَارِبُوهَا إِلَّا لِلطَّرَبِ وَاللَّهْوِ وَالسُّكْرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَنَزَّهُ عَنهُ الْأَنْبِيَاء
وَلِأَنَّهَا يَشْرَبُونَهَا لِقَصْدِ التَّقَوِّي لِقِلَّةِ هَذَا الْقَصْدِ مِنْ شُرْبِهَا.
وَفِي سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ مِنَ التَّوْرَاةِ «وَكَلَّمَ اللَّهُ هَارُونَ قَائِلًا: خَمْرًا وَمُسْكِرًا لَا تَشْرَبْ أَنْتَ وَبُنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِكَيْ لَا تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ» .
وَشُيُوعُ شُرْبِ الْخَمْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعْلُومٌ لِمَنْ عَلِمَ أَدَبَهُمْ وَتَارِيخَهُمْ فَقَدْ كَانَتِ الْخَمْرُ قِوَامَ أَوَدِ حَيَاتِهِمْ، وَقُصَارَى لَذَّاتِهِمْ وَمَسَرَّةَ زَمَانِهِمْ وَمَلْهَى أَوْقَاتِهِمْ، قَالَ طَرَفَةُ:
وَلَوْلَا ثَلَاثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الْفَتَى ... وَجِدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُوَّدِي

فَمِنْهُنَّ سَبْقِي الْعَاذِلَاتِ بِشَرْبَةٍ ... كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالْمَاءِ تُزْبِدِ
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لِلْعَرَبِ عَيْشٌ أَعْجَبُ مِنْهَا، وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَمْرِ» . فَلَا جَرَمَ أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فِي تَحْرِيمِهَا بِطَرِيقَةِ التَّدْرِيجِ فَأَقَرَّ حِقْبَةً إِبَاحَةَ شُرْبِهَا وَحَسْبُكُمْ فِي هَذَا الِامْتِنَانِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النَّحْل: 67] عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَ السَّكَرَ بِالْخَمْرِ. وَقِيلَ السَّكَرُ: هُوَ النَّبِيذُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ، وَالْأَظْهَرُ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ. وَآيَةُ سُورَةِ النَّحْلِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْأَثَرِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ بِأَيَّامٍ، أَيْ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ سَنَةِ خَمْسٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَامِ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 339
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست