responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 33
اسْتِقْبَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاتِهِمْ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَكْمِيلٌ لِمَعْنَى الْخُشُوعِ فِي صَلَاةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مِنَ التَّكَمُّلَاتِ الَّتِي ادَّخَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ لِتَكُونَ تَكْمِلَةُ الدِّينِ تَشْرِيفًا لِصَاحِبِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ إِنْ كَانَ الِاحْتِمَال الأول، فَإِن كَانَ الثَّانِي فَالْأَمْرُ لَنَا بِالِاسْتِقْبَالِ لِئَلَّا تَكُونَ صَلَاتُنَا أَضْعَفَ اسْتِحْضَارًا لِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ غَيْرِنَا.
وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَ مُقَارِنًا لِمَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ اسْتِقْبَالُهُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ عَنِ اجْتِهَادٍ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعِلَّتُهُ أَنَّهُ الْمَسْجِدُ الَّذِي عَظَّمَهُ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ وَالَّذِي لَمْ يُدَاخِلْهُ إِشْرَاكٌ وَلَا نُصِبَتْ فِيهِ أَصْنَامٌ فَكَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ دَلِيلٍ لِاسْتِقْبَالِ جِهَتِهِ مِمَّنْ يُرِيدُ اسْتِحْضَارَ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَعَلَّ حِكْمَتَهُ تَأْلِيفُ قُلُوبِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَلِيَظْهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلنَّبِيءِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَقًّا وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ نِفَاقًا لِأَنَّ الْأَخِيرَيْنِ قَدْ يَتَّبِعُونَ الْإِسْلَامَ ظَاهِرًا وَيَسْتَقْبِلُونَ فِي صَلَاتِهِمْ قِبْلَتَهُمُ الْقَدِيمَةَ فَلَا يَرَوْنَ حَرَجًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ فَإِذَا تَغَيَّرَتِ الْقِبْلَةُ خَافُوا مِنْ قَصْدِهِمْ لِاسْتِدْبَارِهَا فَأَظْهَرُوا مَا كَانُوا مستبطينه مِنَ الْكُفْرِ كَمَا أَشَارَ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ [الْبَقَرَة:
142] الْآيَةَ.
وَلَعَلَّ الْعُدُولَ عَنِ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ كَانَ لِخَضْدِ شَوْكَةِ مُكَابَرَةِ قُرَيْشٍ وَطَعْنِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَقْبَلَ مَكَّةَ لَشَمَخُوا بِأُنُوفِهِمْ وَقَالُوا هَذَا بَلَدُنَا وَنَحْنُ أَهْلُهُ وَاسْتِقْبَالُهُ حَنِينٌ إِلَيْهِ وَنَدَامَةٌ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْهُ، كَمَا قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 114] وَقَوْلُهُ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [الْبَقَرَة: 115] إِيمَاءٌ إِلَيْهِ كَمَا قدمْنَاهُ، وَعَلَيْهِ فَفِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَارَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ أَمْرَ قُرَيْشٍ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ وَأَنَّ وَقْعَةَ بَدْرٍ سَتَكُونُ الْفَيْصَلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِلَى جِهَتِهِ لِلْبَعِيدِ عَنْهُ.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) .
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَجُمْلَةِ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ [الْبَقَرَة: 149] الْآيَةَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 33
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست