responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 327
كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ [التَّوْبَة: 13] . ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَّلَهُمْ أَجَلًا وَهُوَ انْقِضَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَهُوَ تِسْعَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ وَقَدْ خرج
الْمُشْركُونَ لِلْحَجِّ فَقَالَ لَهُمْ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَخَّرَهَا آخِرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ عَامِ عَشَرَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَيْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فَنَسَخَ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِذَلِكَ قَاتَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَقِيفًا فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ. وَأَغْزَى أَبَا عَامِرٍ إِلَى أَوْطَاسَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْغَزْوِ فِي جَمِيعِ أَشْهُرِ السَّنَةِ يَغْزُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ أَوْلَى بِالْحُرْمَةِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا نُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمَا مَعْنَى
قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»
فَإِنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ. قُلْتُ: إِنْ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِيهَا تَبَعٌ لِتَعْظِيمِهَا وَحُرْمَتِهَا وَتَنْزِيهِهَا عَنْ وُقُوعِ الْجَرَائِمِ وَالْمَظَالِمِ فِيهَا فَالْجَرِيمَةُ فِيهَا تُعَدُّ أَعْظَمَ مِنْهَا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِهَا. وَالْقِتَالُ الظُّلْمُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالْقِتَالُ لِأَجْلِ الْحَقِّ عِبَادَةٌ فَنُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهَا لِذَلِكَ وَبَقِيَتْ حُرْمَةُ الْأَشْهُرِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْجَرَائِمِ.
وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ قَرَّرَتْ حُرْمَةَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِحِكْمَةِ تَأْمِينِ سُبُلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، إِذِ الْعُمْرَةُ أَكْثَرُهَا فِي رَجَبٍ وَلِذَلِكَ قَالَ: قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَبْطَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عَامِ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ إِذْ قَدْ صَارَتْ مَكَّةُ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قُرَيْشٌ وَمُعْظَمُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْبَقِيَّةُ مُنِعُوا مِنْ زِيَارَةِ مَكَّةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي إِبْطَالَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ فِيهَا لِأَجْلِ تَأْمِينِ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَبْقَ الْحَجُّ إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا قِتَالَ بَيْنَهُمْ، إِذْ قِتَالُ الظُّلْمِ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَقِتَالُ الْحَقِّ يَقَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَا لَمْ يَشْغَلْ عَنْهُ شَاغِلٌ مِثْلُ الْحَجِّ، فَتَسْمِيَتُهُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 327
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست