responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 315
مِنْهُ
مُوجِبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِك أَن تنالهم الْبَأْسَاءُ فَيَصْبِرُوا وَلَا يَرْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، لِذَلِكَ فَيَكُونُ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُتَوَقِّفًا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَتَطَرُّقُ هَاتِهِ الْحَالَةِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَتْبَاعِ الرُّسُلِ فِي أَوَّلِ ظُهُورِ الدِّينِ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ مَزِيدِ فَضَائِلِ اتِّبَاعِ الرُّسُل، فَلذَلِك هيّء الْمُسْلِمُونَ لِتَلَقِّيهِ مِنْ قَبْلِ وُقُوعِهِ لُطْفًا بِهِمْ لِيَكُونَ حُصُولُهُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ الْبَأْسَاءَ وَالضَّرَّاءَ وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَتَحَمَّلُوا مَضَضَ الْغُرْبَةِ، فَلَمَّا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ لَقُوا مِنْ أَذَى الْيَهُودِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَذَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَرَابَتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِمَكَّةَ مَا كَدَّرَ عَلَيْهِمْ صَفْوَ حَفَاوَةِ الْأَنْصَارِ بِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْأَنْصَارَ لَقُوا مِنْ ذَلِكَ شِدَّةَ الْمُضَايَقَةِ فِي دِيَارِهِمْ بَلْ وَفِي أَمْوَالِهِمْ فَقَدْ كَانَ الْأَنْصَارُ يَعْرِضُونَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَتَنَازَلُوا لَهُمْ عَنْ حَظٍّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
ولَمَّا أُخْتُ لَمْ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَمْ وَمَا النَّافِيَةِ فَأَفَادَتْ تَوْكِيدَ النَّفْيِ، لِأَنَّهَا رُكِّبَتْ مِنْ حَرْفَيْ نَفْيٍ، وَمِنْ هَذَا كَانَ النَّفْيُ بِهَا مُشْعِرًا بِأَنَّ السَّامِعَ كَانَ يَتَرَقَّبُ حُصُولَ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ بِهَا فَيَكُونُ النَّفْيُ بِهَا نَفْيًا لِحُصُولِ قَرِيبٍ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ حُصُولَ الْمَنْفِيِّ بِهَا يَكُونُ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ:
أَزِفَ [1] التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا [2] وَكَأَنْ قَدِ
فَنَفَى بِلَمَّا ثُمَّ قَالَ: وَكَأَنْ قَدِ، أَيْ وَكَأَنَّهُ قَدْ زَالَتْ.
وَالْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ أَحَسِبْتُمْ دُخُولَ الْجَنَّةِ فِي حَالَةِ انْتِفَاءِ مَا يُتَرَقَّبُ حُصُولُهُ لَكُمْ مِنْ مَسِّ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ذَلِكَ الدُّخُولَ السَّالِمَ من المحنة إِلَّا إِذَا تَحَمَّلْتُمْ مَا هُوَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ.
وَالْإِتْيَانُ مَجَازٌ فِي الْحُصُولِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْحَاصِلَ بَعْدَ الْعَدَمِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَتَى مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ.
وَالْمَثَلُ: الْمُشَابِهُ فِي الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي
اسْتَوْقَدَ نَارا [الْبَقَرَة: 17] .
والَّذِينَ خَلَوْا هُمُ الْأُمَمُ الَّذِينَ مَضَوْا وَانْقَرَضُوا وَأَصْلُ خَلَوْا خَلَا مِنْهُمُ الْمَكَانُ فَبُولِغَ فِي إِسْنَادِ الْفِعْلِ فَأُسْنِدَ إِلَيْهِمْ مَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ مَكَانِهِمْ.

[1] رِوَايَة «اللِّسَان» (أفد الترحل) .
[2] فِي «تَاج الْعَرُوس» (برحالها) .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 315
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست