responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 297
وَلِفِعْلِ السُّخْرِيَةِ خُصُوصُ الْمُضَارَعَةِ إِيثَارًا لِكُلٍّ مِنَ الصِّفَتَيْنِ بِالْفِعْلِ الَّتِي هِيَ بِهِ أَجْدَرُ لِأَنَّ التَّزْيِينَ لَمَّا كَانَ هُوَ الْأَسْبَقَ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ مَنْشَأُ السُّخْرِيَةِ أُوثِرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّحَقُّقِ، لِيَدُلَّ عَلَى مَلَكَةٍ وَاعْتَمَدَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ بِالِاسْتِتْبَاعِ، وَالسُّخْرِيَةُ لَمَّا كَانَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَى التَّزْيِينِ وَكَانَ تَكَرُّرُهَا يَزِيدُ فِي الذَّمِّ، إِذْ لَا يَلِيقُ بِذِي الْمُرُوءَةِ السُّخْرِيَةُ بِغَيْرِهِ، أُوثِرَتْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَاعْتُمِدَ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى التَّحَقُّقِ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَمِرَّ لَا يَكُونُ إِلَّا مُتَحَقِّقًا.
وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ أُرِيدَ مِنَ الَّذِينَ اتَّقَوْا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ سَخِرَ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لِأَنَّ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا مُتَّقِينَ، وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ وَهُمْ فَوْقَهُمْ لَكِنْ عَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنْ يَغْتَرَّ الْكَافِرُونَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَيْهِمْ وَيُضَمُّوا إِلَيْهِ كَذِبًا وَتَلْفِيقًا كَمَا فَعَلُوا حِينَ سَمِعُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النَّجْم: 19] إِذْ سَجَدَ الْمُشْرِكُونَ وَزَعَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا أَثْنَى عَلَى آلِهَتِهِمْ. فَعَدَلَ لِذَلِكَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالِاسْمِ الَّذِي سَبَقَ أَعنِي (الَّذين ءامنوا) لِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى مَزِيَّةِ التَّقْوَى وَكَوْنِهَا سَبَبًا عَظِيمًا فِي هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ، عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي انْتِهَازِ فُرَصِ الْهُدَى وَالْإِرْشَادِ لِيُفِيدَ فَضْلَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، وَيُنَبِّهَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وُجُوبِ التَّقْوَى لِتَكُونَ سَبَبَ تَفَوُّقِهِمْ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ غَيْرُ الْمُتَّقِينَ فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْقُرْآنِ أَنْ يَعْبَأَ بِذِكْرِ حَالِهِمْ لِيَكُونُوا دَوْمًا بَيْنَ شَدَّةِ الْخَوْفِ وَقَلِيلِ الرَّجَاءِ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ.
وَالْفَوْقِيَّةُ هُنَا فَوْقِيَّةُ تَشْرِيفٍ وَهِيَ مَجَازٌ فِي تَنَاهِي الْفَضْلِ وَالسِّيَادَةِ كَمَا اسْتُعِيرَ التَّحْتُ لِحَالَةِ الْمَفْضُولِ وَالْمُسَخَّرِ وَالْمَمْلُوكِ. وَقُيِّدَتْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ تَنْصِيصًا عَلَى دَوَامِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ
الْيَوْمَ هُوَ مَبْدَأُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَمَا كَانَ حَظُّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَثْرَةِ التَّقْوَى وَقِلَّتِهَا إِنَّهُمْ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِيمَانِ وَالْمَقَامُ مَقَامُ التَّنْوِيهِ بِفَضْلِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ الْأَحَقُّ بِالذِّكْرِ هُنَا وصف «الَّذين ءامنوا» قُلْتُ: وَأَمَّا بَيَانُ مَزِيَّةِ التَّقْوَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَلَهُ مُنَاسَبَاتٌ أُخْرَى. قلت فِي الْآيَةُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَّقِينَ لَا تظخر مَزِيَّتُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ مَبْدَأُ أَيَّامِ الْجَزَاءِ فَغَيْرُ الْمُتَّقِينَ لَا تظهر لَهُمُ التَّفَوُّقُ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يُدْرِكُهُ الْكُفَّارُ بِالْحِسِّ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 297
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست