responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 292
دَلَائِلَ الصِّدْقِ هِيَ الَّتِي تَهْدِي النَّاسَ إِلَى قَبُولِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ عَنْ بَصِيرَةٍ لِمَنْ لَمْ يَكُنِ اتبعهُ، وتزيد اللَّذين اتَّبَعُوهُ رُسُوخَ إِيمَانٍ قَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً [التَّوْبَة: 124] وَبِذَلِكَ التَّصْدِيقِ يَحْصُلُ تَلَقِّي الشَّرْعِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ عَاجِلَةٌ وَآجِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْآيَاتُ الْكَلَامَ الدَّالَّ عَلَى الْبِشَارَةِ بِالرَّسُولِ فَهِيَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهَا قُصِدَ بِهَا تَنْوِيرُ سَبِيلِ الْهِدَايَةِ لَهُمْ عِنْدَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ لِئَلَّا يَتَرَدَّدُوا فِي صِدْقِهِ بَعْدَ انْطِبَاقِ الْعَلَامَاتِ الَّتِي ائْتُمِنُوا عَلَى حِفْظِهَا.
وَالتَّبْدِيلُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَبْدِيلُ الْوَصْفِ بِأَنْ أَعْرَضُوا عَنْ تِلْكَ الْآيَاتِ فَتَبَدَّلَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، إِذْ صَارَتْ بِالْإِعْرَاضِ سَبَبَ شَقَاوَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُؤْتَ لَهُمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ يَكُونُونَ عَلَى سَذَاجَةٍ هُمْ بِهَا أَقْرَبُ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْهُمْ بَعْدَ قَصْدِ الْمُكَابَرَةِ وَالْإِعْرَاضِ لِأَنَّهُمَا يَزِيدَانِهِمْ تَعَمُّدًا لِارْتِكَابِ الشُّرُورِ، وَفِي الْآخِرَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعِقَابَ عَلَى الْكُفْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَةِ وَظُهُورِ الْمُعْجِزَةِ، وَقَدْ أَشْبَهَهُمْ فِي هَذَا التَّبْدِيلِ الْمُشْرِكُونَ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْقُرْآنِ وَالتَّدَبُّرِ فِي هَدْيِهِ أَوِ التَّبْدِيلِ بِأَنِ اسْتَعْمَلُوا تِلْكَ الْآيَاتِ فِي غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهَا بِأَنْ جَعَلُوهَا أَسْبَابَ غُرُورٍ فَإِنَّ اللَّهَ مَا آتَى رَسُولَهُمْ تِلْكَ الْآيَاتِ إِلَّا لتفضيل أمته فتوكأوا عَلَى ذَلِكَ وَتَهَاوَنُوا عَلَى الدِّينِ فَقَالُوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَة: 18] وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَة: 80] .
وَالتَّبْدِيلُ جَعْلُ شَيْءٍ بَدَلًا عَنْ آخَرَ، أَيْ تَعْوِيضُهُ بِهِ فَيَكُونُ تَعْوِيضَ ذَاتٍ بِذَاتٍ
وَتَعْوِيضَ وَصْفٍ بِوَصْفٍ كَقَوْلِ أَبِي الشِّيصِ:
بَدِّلْتُ مِنْ بُرْدِ الشَّبَابِ مُلَاءَةً ... خَلَقًا وَبِئْسَ مَثُوبَةُ الْمُقْتَاضِ
فَإِنَّهُ أَرَادَ تبدل حَالَةِ الشَّبَابِ بِحَالَةِ الشَّيْبِ، وَكَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
عَهِدْتُ بِهَا حَيًّا كراما فبدّلت ... حناظيل آجَالِ النِّعَاجِ الْجَوَافِلِ
وَلَيْسَ قَوْلُهُ: نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ قَبِيلِ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ وَمَنْ يُبَدِّلْهَا أَيِ الْآيَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِظُهُورِ أَنَّ فِي لَفْظِ (نِعْمَةِ اللَّهِ) مَعْنًى جَامِعًا لِلْآيَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ الْمَجِيءُ فِيهِ كِنَايَةٌ عَنِ الْوُضُوحِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالتَّمَكُّنِ، لِأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِ الْمَجِيءِ عُرْفًا.
وَإِنَّمَا جُعِلَ الْعِقَابُ مُتَرَتِّبًا على التبديل الْوَاقِع بَعْدَ هَذَا التَّمَكُّنِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ تَبْدِيلٌ عَنْ بَصِيرَةٍ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست