responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 286
الْمُتَبَادِرُ من الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ دُونَ الْمَلْزُومَاتِ مِثْلَ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَقِسْمٌ هُوَ مُتَشَابِهٌ وَتَأْوِيلُهُ ظَاهِرٌ، وَقِسْمٌ مُتَشَابِهٌ شَدِيدُ التَّشَابُهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ أَشَدُّ إِشْكَالًا مِنْ إِسْنَادِ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِضَائِهِ الظَّرْفِيَّةِ، وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَأْوِيلُهُ إِمَّا بِأَنَّ (فِي) بِمَعْنَى الْبَاءِ أَي يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَهِيَ ظُلَلٌ تَحْمِلُ الْعَذَابَ مِنَ الصَّوَاعِقِ أَوِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْعَذَابُ دُنْيَوِيًّا، أَوْ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَذَابِهِ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ [الطّور: 44] وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا رَأَى السَّحَابَ رُئِيَ فِي وَجْهِهِ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، أَوْ عَلَى كَلَامِهِ تَعَالَى، أَوِ الْحَاجِبَةِ لِأَنْوَارٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَامَةً لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ابْتِدَاءِ فَصْلِ الْحِسَابِ يُدْرِكُ دَلَالَتَهَا أَهْلُ الْمَوْقِفِ وَبِالِانْكِشَافِ الْوِجْدَانِيِّ، وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ وَالْفَخْرِ» قِيلَ: إِنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَأَصْلُ الْكَلَامِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، فَالْغَمَامُ ظَرْفٌ لِإِتْيَانِ الْمَلَائِكَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَهَا كَذَلِكَ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ
عَلَى أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَأَمَّا عَلَى جَعْلِ ضَمِيرِ يَنْظُرُونَ مَقْصُودًا بِهِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوِ الْيَهُودِ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ تَهَكُّمًا أَيْ مَاذَا يَنْتَظِرُونَ فِي التَّبَاطُؤِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي أَحْوَالٍ اعْتَقَدُوهَا فَيُكَلِّمُهُمْ لِيَدْخُلُوا فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [الْبَقَرَة: 55] وَاعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ فِي الْغَمَامِ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ، وَبَعْضُ التَّأْوِيلَاتِ تَقَدَّمَتْ مَعَ تَأْوِيلِ الْإِتْيَانِ.
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ «وَالْمَلَائِكَةُ» بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، وَإِسْنَادِ الْإِتْيَانِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ عَذَابِهِ وَهُمُ الْمُوكَّلُ إِلَيْهِمْ تَنْفِيذُ قَضَائِهِ، فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَيْهِمْ حَقِيقَةٌ فَإِنْ كَانَ الْإِتْيَانُ الْمُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَهُوَ مِنَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا فِي الْإِسْنَادِ فَإِسْنَادُهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ حَقِيقَةٌ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجَازَ الْإِسْنَادِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْقَرِينَةِ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ:
أَتَاكَ بِي اللَّهُ الَّذِي نَوَّرَ الْهُدَى ... وَنُورٌ وَإِسْلَامٌ عَلَيْكَ دَلِيلُ
فَأَسْنَدَ الْإِتْيَانَ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ أَسْنَدَهُ بِالْعَطْفِ لِلنُّورِ وَالْإِسْلَامِ، وَإِسْنَادُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست