responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 27
وَأَنْ يطمئنه لِأَن النَّبِي كَانَ حَرِيصًا عَلَى حُصُولِهِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْوَعْدُ بِحُصُولِهِ فَتحصل كنايتان مترتبان.
وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ مَعَ (قَدْ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْمَقْصُودُ تَجَدُّدُ لَازِمِهِ لِيَكُونَ تَأْكِيدًا لِذَلِكَ اللَّازِمِ وَهُوَ الْوَعْدُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ غَلَبَ عَلَى قَدِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُضَارِعِ أَنْ تَكُونَ لِلتَّكْثِيرِ مِثْلَ رُبَّمَا يَفْعَلُ. قَالَ عُبَيْدُ بْنُ الْأَبْرَصِ:
قَدْ أَتْرُكُ الْقِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ ... كأنّ أثوابه مبحّت بِفِرْصَادِ (1)
وَسَتَجِيءُ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الْأَنْعَام: 33] فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَالتَّقَلُّبُ مُطَاوِعُ قَلَّبَهُ إِذَا حَوَّلَهُ وَهُوَ مِثْلُ قَلَبَهُ بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْوَجْهِ الِالْتِفَاتُ بِهِ أَي تحويله عَن جِهَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَهُوَ هُنَا تَرْدِيدُهُ فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ أَخَذُوا مِنَ الْعُدُولِ إِلَى صِيغَة التفعيل الدّلَالَة عَلَى مَعْنَى التَّكْثِيرِ فِي هَذَا التَّحْوِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِمَا فِي هَذَا التَّحْوِيلِ مِنَ التَّرَقُّبِ وَالشِّدَّةِ فَالتَّفْعِيلُ لِقُوَّةِ الْكَيْفِيَّةِ، قَالُوا كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقَعُ فِي رَوْعِهِ إِلْهَامًا أَنَّ اللَّهَ سَيُحَوِّلُهُ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُرَدِّدُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ فَقِيلَ يَنْتَظِرُ نُزُولَ
جِبْرِيلَ بِذَلِكَ، وَعِنْدِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَقْلِيبُ وَجْهِهِ عِنْدَ تَهَيُّؤِ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ يَتَرَقَّبُ جِبْرِيلَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ هَذَا التَّقْلِيبُ.
وَالْفَاءُ فِي فَلَنُوَلِّيَنَّكَ فَاءُ التَّعْقِيبِ لِتَأْكِيدِ الْوَعْدِ بِالصَّرَاحَةِ بَعْدَ التَّمْهِيد لَهَا بِالْكِنَايَةِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ، وَالتَّوْلِيَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [الْبَقَرَة: 142] ، فَمَعْنَى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً لَنُوَجِّهَنَّكَ إِلَى قِبْلَةٍ تَرْضَاهَا. فَانْتَصَبَ قِبْلَةً عَلَى التَّوَسُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَأَصْلُهُ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ قِبْلَةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ تَوْلِيَةَ وَجْهِهِ لِلْكَعْبَةِ سَيَحْصُلُ عَقِبَ هَذَا الْوَعْدِ. وَهَذَا وَعْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى أَدَاتَيْ تَأْكِيدٍ وَأَدَاةِ تَعْقِيبٍ وَذَلِكَ غَايَةُ اللُّطْفِ وَالْإِحْسَان.
وَعبر بترضاها لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَيْلَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ مَيْلٌ لِقَصْدِ الْخَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَعْبَةَ أَجْدَرُ بُيُوتِ اللَّهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَى التَّوْحِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ أَجْدَرُ بِالِاسْتِقْبَالِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،

(1) الْبَيْت فِي «شرح شَوَاهِد الْمُغنِي» (169) للهذلي، وَقيل: لِعبيد بن الأبرص. هَذَا وَلَيْسَ فِي «أشعار الهذليين» هَذَا الْبَيْت وَانْظُر «اللِّسَان» (قدد) قَالَ ابْن بري: الْبَيْت لِعبيد بن اَوْ برص، وَالشَّاهِد أَيْضا فِي «الصِّحَاح» ، وَهُوَ فِي «ديوَان عبيد» (64) .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 27
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست