responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 25
حَقَّ إِيمَانِكُمْ حِينَ لَمْ تُزَلْزِلْهُ وَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ الِاسْتِقْبَالِ إِلَى قِبْلَةٍ لَا تَوَدُّونَهَا، وَإِنْ فُسِّرَ الْإِيمَانُ بِالصَّلَاةِ كَانَ التَّقْدِيرُ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ فَضْلَ صَلَاتِكُمْ أَوْ ثَوَابَهَا، وَفِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّلَاةِ تَنْوِيهٌ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، وَعَنْ مَالِكٍ: «إِنِّي لَأَذْكُرُ بِهَذَا قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ الصَّلَاةُ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ» .
وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ نَسْخَ حُكْمٍ، يَجْعَلُ الْمَنْسُوخَ بَاطِلًا فَلَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُ الْعَمَلِ بِهِ فَلِذَلِكَ تَوَجَّسُوا خِيفَةً عَلَى صَلَاة إخْوَانهمْ اللَّذين مَاتُوا قَبْلَ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِثْلِ أَسْعَدَ بن زُرَارَة والبراء بْنِ مَعْرُورٍ وَأَبِي أُمَامَةَ، وَظَنَّ السَّائِلُونَ أَنَّهُمْ سَيَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ مَا صَلَّوْهُ قَبْلَ النَّسْخِ وَلِهَذَا أُجِيبَ سُؤَالُهُمْ بِمَا يَشْمَلُهُمْ وَيَشْمَلُ مَنْ مَاتُوا قَبْلُ فَقَالَ إِيمانَكُمْ، وَلم يقل إيمَانكُمْ عَلَى حَسَبِ السُّؤَالِ.
وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ تَأْكِيدٌ لِعَدَمِ إِضَاعَةِ إِيمَانِهِمْ وَمِنَّةٌ وَتَعْلِيمٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَنْسُوخَ إِنَّمَا يلغى الْعَمَل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي مَا مَضَى. وَالرَّءُوفُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ مُشْتَقَّةٌ أُولَاهُمَا مِنَ الرَّأْفَةِ وَالثَّانِيَةُ مِنَ الرَّحْمَةِ. وَالرَّأْفَةُ مُفَسَّرَةٌ
بِالرَّحْمَةِ فِي إِطْلَاقِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الزَّجَّاجُ وَخَصَّ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الرَّأْفَةَ بِمَعْنَى رَحْمَةٍ خَاصَّةٍ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ الرَّأْفَةُ أَكْثَرُ مِنَ الرَّحْمَةِ أَيْ أَقْوَى أَيْ هِيَ رَحْمَةٌ قَوِيَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ الرَّأْفَةُ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ، وَقَالَ فِي «الْمُجْمَلِ» الرَّأْفَةُ أَخَصُّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَا تَكَادُ تَقَعُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَالرَّحْمَةُ تَقَعُ فِي الْكَرَاهِيَةِ لِلْمَصْلَحَةِ، فَاسْتَخْلَصَ الْقَفَّالُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ أَنَّ الرَّأْفَةَ مُبَالَغَةٌ فِي رَحْمَةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ وَإِزَالَةُ الضُّرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النُّور: 2] ، وَأَمَّا الرَّحْمَةُ فَاسْمٌ جَامِعٌ يَدْخُلُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِفْضَالُ وَالْإِنْعَامُ اهـ. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا وَاخْتَارَهُ الْفَخْرُ وَعَبْدُ الْحَكِيمِ وَرُبَّمَا كَانَ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ بَيْنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا وَأَيًّا مَا كَانَ مَعْنَى الرَّأْفَةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ رَءُوفٍ وَرَحِيمٍ فِي الْآيَةِ يُفِيدُ تَوْكِيدَ مَدْلُولِ أَحَدِهِمَا بِمَدْلُولِ الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ. وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ تَفْسِيرِ الْمُحَقِّقِينَ لِمَعْنَى الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ الرَّحْمَةَ الْقَوِيَّةَ لِمُسْتَحَقِّهَا وَيَرْحَمُ مُطْلَقَ الرَّحْمَةِ مِنْ دُونِ ذَلِكَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 25
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست