responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 229
مِنَ الثَّلَاثَةِ أُزِيلُ ذَلِكَ بِجَلِيَّةِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ عَشَرَةٌ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فَقَالَ «الْوَاوُ قَدْ تَجِيءُ لِلْإِبَاحَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: جَالَسَ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ فَفَذْلَكْتُ نَفْيًا لتوهم الْإِبَاحَة اهـ» وَهُوَ يُرِيدُ مِنَ الْإِبَاحَةِ أَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ الْجَمْعُ وَلَا يَتَعَيَّنُ.
وَفِي كِلَا الْكَلَامَيْنِ حَاجَةٌ إِلَى بَيَانِ مَنْشَأِ تَوَهُّمِ مَعْنَى التَّخْيِيرِ فَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ فِي الْوَاوِ حَتَّى زَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَرِدُ لَهُ، وَأَنَّ التَّخْيِيرَ يُسْتَفَادُ مِنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ لَا أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ فِي حَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَجَعَلَ أَقَلَّ الْعَدَدَيْنِ لِأَشَقِّ الْحَالَتَيْنِ وَأَكْثَرَهُمَا لِأَخَفِّهِمَا، فَلَا جَرَمَ طَرَأَ تَوَهُّمُ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ وَأَنَّ السَّبْعَةَ رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ التَّخْيِيرَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ مَا يَدْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمَ، بَلِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى إِيجَابُ صَوْمِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا تَفْرِيقُهَا رُخْصَةٌ وَرَحْمَةٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، فَحَصَلَتْ فَائِدَةُ التَّنْبِيهِ عَلَى الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الْأَعْرَاف: 142] إِذْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنَاجَاةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَلَكِنَّهُ أَبْلَغَهَا إِلَيْهِ مُوَزَّعَةً تَيْسِيرًا.
وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ حِكْمَةِ كَوْنِ الْأَيَّامِ عَشَرَةً فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ نَشَأَ مِنْ جَمْعِ سَبْعَةٍ وَثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُمَا عَدَدَانِ مُبَارَكَانِ، وَلَكِنْ فَائِدَةُ التَّوْزِيعِ ظَاهِرَةٌ، وَحِكْمَةُ كَوْنِ التَّوْزِيعِ كَانَ إِلَى عَدَدَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ لَا مُتَسَاوِيَيْنِ ظَاهِرَةٌ لِاخْتِلَافِ حَالَةِ الِاشْتِغَالِ بِالْحَجِّ فَفِيهَا مَشَقَّةٌ، وَحَالَةُ الِاسْتِقْرَارِ بِالْمَنْزِلِ. وَفَائِدَةُ جَعْلِ بَعْضِ الصَّوْمِ فِي مُدَّةِ الْحَجِّ جَعْلُ بَعْضِ الْعِبَادَةِ عِنْدَ سَبَبِهَا، وَفَائِدَةُ التَّوْزِيعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعَةٍ أَنَّ كِلَيْهِمَا عَدَدٌ مُبَارَكٌ ضُبِطَتْ بِمِثْلِهِ الْأَعْمَالُ دِينِيَّةً وقضائية.
وَأما قَوْله: كامِلَةٌ فَيُفِيدُ التَّحْرِيضَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِصِيَامِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا لَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ، مَعَ التَّنْوِيهِ بِذَلِكَ الصَّوْمِ وَأَنَّهُ طَرِيقُ كَمَالٍ لِصَائِمِهِ، فَالْكَمَالُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
وَقَوْلُهُ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِشَارَةٌ إِلَى أَقْرَبِ شَيْءٍ
فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ هَدْيُ التَّمَتُّعِ أَوْ بَدَلُهُ وَهُوَ الصِّيَامُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْهَدْيَ عَلَى الْغَرِيب عَن مَكَّةَ كَيْ لَا يُعِيدَ السَّفَرَ لِلْعُمْرَةِ فَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ إِعَادَةِ السَّفَرِ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَهَذَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 229
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست