responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 22
بِتَشْرِيفِ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى أَنَّهَا تَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ وَالرُّسُلِ وَهِيَ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا إِلَّا رَسُولُهَا، وَقَدْ يَكُونُ تَقْدِيمُهُ لِتَكُونَ الْكَلِمَةُ الَّتِي تُخْتَمُ بِهَا الْآيَةُ فِي مَحَلِّ الْوَقْفِ كَلِمَةً ذَاتَ حَرْفِ مَدٍّ قَبْلَ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ لِأَنَّ الْمَدَّ أَمْكَنُ لِلْوَقْفِ وَهَذَا مِنْ بَدَائِعِ فَصَاحَةِ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ مُفِيدٌ لِقَصْرِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي كَلَامِهِمْ.
وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ.
الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ [الْبَقَرَة: 142] وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ تَحْوِيلِ ذَلِكَ إِلَى شَرْعِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، وَمَا بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً إِلَى آخِرِهَا اعْتِرَاضٌ.
وَالْجَعْلُ هُنَا جَعْلُ التَّشْرِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَفْعُوله من شؤون التَّعَبُّدِ لَا من شؤون الْخَلْقِ وَهُوَ لَفْظُ الْقِبْلَةِ، وَلِذَلِكَ فَفِعْلُ جَعَلَ هُنَا مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى شَرَعْنَا، فَهَذِهِ الْآيَاتُ نَزَلَتْ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعَدَلَ عَنْ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ بِاسْمِهِ إِلَى الْمَوْصُولِ لِمُحَاكَاةِ كَلَامِ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ حِينَ قَالُوا مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [الْبَقَرَة: 142] مَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى تَعْلِيلِ الْحِكْمَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا لِنَعْلَمَ أَيْ مَا جَعَلْنَا تِلْكَ قِبْلَةً مَعَ إِرَادَةِ نَسْخِهَا فَأَلْزَمْنَاكَهَا زَمَنًا إِلَّا لِنَعْلَمَ إِلَخْ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِنَعْلَمَ اسْتِثْنَاءٌ مَنْ عِلَلٍ وَأَحْوَالٍ أَيْ مَا جَعَلْنَا ذَلِكَ لِسَبَبٍ وَفِي حَالٍ إِلَّا لِنُظْهِرَ مَنْ كَانَ صَادِقَ الْإِيمَانِ فِي الْحَالَتَيْنِ حَالَةِ تَشْرِيعِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحَالَةِ تَحْوِيلِ الِاسْتِقْبَالِ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَكِيمِ [1] أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ لَمَّا اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حَمِيَّةً لِقِبْلَةِ الْعَرَبِ، وَالْيَهُودُ كَانُوا تَأَوَّلُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْعُذْرَ فِي التَّظَاهُرِ بِالْإِسْلَامِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا [الْبَقَرَة: 14] فَنَافَقُوا وَهُمْ يَتَأَوَّلُونَ لِلصَّلَاةِ مَعَهُ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَزِيَادَةٌ عَلَى صَلَوَاتِهِمُ الَّتِي هُمْ مُحَافِظُونَ عَلَيْهَا إِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا يُنَافِي تَعْظِيمَ شَعَائِرِهِمْ

[1] أَي السيالكوتي.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست