responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 218
ابْنِ السِّكِّيتِ: الْحَجُّ كَثْرَةُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّرَدُّدِ يُقَالُ حَجَّ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا أَطَالُوا الِاخْتِلَافَ إِلَيْهِ وَفِي «الْأَسَاسِ» : فُلَانٌ تَحُجُّهُ الرِّفَاقُ أَي تقصده اهـ. فَجَعَلَهُ مُفِيدًا بِقَصْدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ كَقَوْلِ الْمُخَبَّلِ السَّعْدِيِّ وَاسْمُهُ الرَّبِيعُ:
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرَقَانِ الْمُزَعْفَرَا
وَالْحَجُّ مِنْ أَشْهُرِ الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ مِمَّا وَرِثُوهُ عَنْ شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الْحَج: 27] الْآيَةَ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ هُمْ أَقْدَمُ أُمَّةٍ عُرِفَتْ عِنْدَهَا عَادَةُ الْحَجِّ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ زِيَارَةَ الْكَعْبَةِ سَعْيٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ النَّابِغَةُ يَصِفُ الْحَجِيجَ وَرَوَاحِلَهُمْ:
عَلَيْهِنَّ شُعْثٌ عَامِدُونَ لِرَبِّهِمْ ... فَهُنَّ كَأَطْرَافِ الْحَنِيِّ خَوَاشِعُ
وَكَانُوا يَتَجَرَّدُونَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَلَا يَمَسُّونَ الطِّيبَ وَلَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ وَلَا يَصْطَادُونَ، وَكَانَ الْحَجُّ طَوَافًا بِالْبَيْتِ وَسَعْيًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَوُقُوفًا بِعَرَفَةَ وَنَحْرًا بِمِنًى. وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ لَا يَأْكُلُ مُدَّةَ الْحَجِّ أَقْطًا وَلَا سَمْنًا- أَيْ لِأَنَّهُ أَكْلُ الْمُتَرَفِّهِينَ- وَلَا يَسْتَظِلُّ بِسَقْفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحُجُّ مُتَجَرِّدًا مِنَ الثِّيَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحُجُّ صَامِتًا لَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَهُمْ فِي الْحَجِّ مَنَاسِكُ وَأَحْكَامٌ ذَكَرْنَاهَا فِي «تَارِيخِ الْعَرَبِ» .
وَكَانَ لِلْأُمَمِ الْمُعَاصِرَةِ لِلْعَرَبِ حُجُوجٌ كَثِيرَةٌ، وَأَشْهَرُ الْأُمَمِ فِي ذَلِكَ الْيَهُودُ فَقَدْ كَانُوا يَحُجُّونَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ تَابُوتُ الْعَهْدِ أَيْ إِلَى هَيْكَلِ (أُورْشَلِيمَ) وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ لِيَذْبَحُوا هُنَاكَ فَإِنَّ الْقَرَابِينَ لَا تَصِحُّ إِلَّا هُنَاكَ وَمِنْ هَذِهِ الْمَرَّاتِ مَرَّةٌ فِي عِيدِ الْفِصْحِ.
وَاتَّخَذَتِ النَّصَارَى زِيَارَاتٍ كَثِيرَةٍ، حَجًّا، أَشْهَرُهَا زِيَارَاتُهُمْ لِمَنَازِلِ وِلَادَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَزِيَارَةِ (أُورْشَلِيمَ) ، وَكَذَا زِيَارَةُ قَبْرِ (مَارْبُولِسْ) وَقَبْرِ (مَارْبُطْرُسْ) بِرُومَةَ، وَمِنْ حَجِّ النَّصَارَى الَّذِي لَا يَعْرِفْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ أَقْدَمُ حَجِّهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَحُجُّونَ إِلَى مَدِينَةِ (عَسْقَلَانَ) مِنْ بِلَادِ السَّوَاحِلِ الشَّامِيَّةِ، وَالْمَظْنُونُ أَنَّ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا حَجَّهَا هُمْ نَصَارَى الشَّامِ مِنَ الْغَسَاسِنَةِ لِقَصْدِ صَرْفِ النَّاسِ عَنْ زِيَارَةِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ وَهُوَ مِنَ الْمُخَضْرَمِينَ فِي قَوْلِهِ يَصِفُ وُحُوشًا جَرَفَهَا السَّيْلُ:
كَأَنَّ الْوُحُوشَ بِهِ عَسْقَلَا ... نُ صَادَفْنَ فِي قَرْنِ حَجٍّ ذِيَافَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست