responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 213
(سَبِيل اللَّهِ) طَرِيقُهُ، وَالطَّرِيقُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى شَيْءٍ فَإِنَّمَا يُضَافُ إِلَى مَا يُوصِلُ إِلَيْهِ،
وَلَمَّا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ النَّاسُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الطَّرِيقِ الْعَمَلَ الْمُوصِلَ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي اللَّفْظِ وَمَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ، وَقَدْ غَلَبَ (سَبِيلُ اللَّهِ) فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ فِي الْجِهَادِ. أَيِ الْقِتَالِ لِلذَّبِّ عَنْ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ، وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ بِإِعْطَاءِ الْعَتَادِ، وَالْخَيْلِ، وَالزَّادِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَظْرُوفٌ لِلْجِهَادِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ وَلَيْسَتْ (فِي) هُنَا مُسْتَعْمَلَةً لِلتَّعْلِيلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ عَطْفُ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ، عُقِّبَ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَهَا عَوَاقِبُ ضَارَّةٌ إِبْلَاغًا لِلنَّصِيحَةِ وَالْإِرْشَادِ لِئَلَّا يَدْفَعَ بِهِمْ يَقِينُهُمْ بِتَأْيِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ إِلَى التَّفْرِيطِ فِي وَسَائِلِ الْحَذَرِ مِنْ غَلَبَةِ الْعَدُوِّ، فَالنَّهْيُ عَنِ الْإِلْقَاءِ بِالنُّفُوسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ يَجْمَعُ مَعْنَى الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصَارِيفِ الْحَرْبِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ، وَلِذَلِكَ فَالْجُمْلَةُ فِيهَا مَعْنَى التَّذْيِيلِ وَإِنَّمَا عُطِفَتْ وَلَمْ تُفْصَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا غَرَضٌ آخَرُ مِنْ أَغْرَاضِ الْإِرْشَادِ.
وَالْإِلْقَاءُ رَمْيُ الشَّيْءِ مِنَ الْيَدِ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْمَرْمِيِّ إِلَيْهِ بِإِلَى وَإِلَى الْمَرْمِيِّ فِيهِ بِفِي.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَيْدِيَ هِيَ الْمَفْعُولُ إِذْ لَمْ يَذْكَرْ غَيْرَهْ، وَأَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ لِتَوْكِيدِ اتِّصَالِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ كَمَا قَالُوا لِلْمُنْقَادِ «أَعْطَى بِيَدِهِ» أَيْ أَعْطَى يَدَهُ لِأَنَّ الْمُسْتَسْلِمَ فِي الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ يَشُدُّ بِيَدِهِ، فَزِيَادَةُ الْبَاءِ كَزِيَادَتِهَا فِي وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مَرْيَم: 25] وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
لَكَ الْخَيْرُ إِنْ وَارَتْ بِكَ الْأَرْضُ وَاحِدًا وَالْمَعْنَى وَلَا تُعْطُوا الْهَلَاكَ أَيْدِيَكُمْ فَيَأْخُذَكُمْ أَخذ الموثق، وَجل التَّهْلُكَةَ كَالْآخِذِ وَالْآسِرِ اسْتِعَارَةً بِجَامِعِ الْإِحَاطَةِ بِالْمُلْقِي، وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْيَدُ مَعَ هَذَا مَجَازًا عَنِ الذَّاتِ بِعَلَاقَةِ الْبَعْضِيَّةِ لِأَنَّ الْيَدَ أَهَمُّ شَيْءٍ فِي النَّفْسِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا فِي الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ أَيْ أَلْقَتِ الشَّمْسُ نَفْسَهَا. وَقِيلَ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَالْأَيْدِي مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الذَّاتِ كِنَايَةً

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست