responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 205
وَاخْتَلَفُوا فِي دَلَالَتِهَا عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْكَافِرِ الْمُحَارِبِ إِذَا لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ وَكَذَا الْجَانِي إِذَا لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ فَارًّا مِنَ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: بِجَوَازِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ [التَّوْبَة: 5] الْآيَةَ قَدْ نَسَخَ هَاتِهِ الْآيَةَ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ بِنَاءً عَلَى تَأَخُّرِ نُزُولِهَا عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالْعَامُّ الْمُتَأَخِّرُ عَنِ الْعَمَلِ يَنْسَخُ الْخَاصَّ اتِّفَاقًا.
وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي
رَوَاهُ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ أَبُو بَرْزَةَ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتُلُوهُ»
وَابْنُ خَطَلٍ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خَطَلٍ التَّيْمِيُّ كَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَجَعَلَ دَأْبَهُ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِسْلَامَ فَأَهْدَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ دَمَهُ فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ عَاذَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَأَمَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ حِينَئِذٍ، فَكَانَ قَتْلُ ابْنِ خَطَلٍ قَتْلَ حَدٍّ لَا قَتْلَ حَرْبٍ لِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَضَعَ الْمِغْفَرَ عَنْ رَأْسِهِ وَقَدِ انْقَضَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ فِيهَا مَكَّةَ.
وَبِالْقِيَاسِ وَهُوَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُتَقَرِّرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ بِقَتْلِ مَنْ قَاتَلَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ أَنَّ الْقِتَالَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِحُرْمَتِهِ لِلِاسْتِخْفَافِ، فَكَذَلِكَ عِيَاذُ الْجَانِي بِهِ، وَبِمِثْلِ قَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا الْتَجَأَ الْمُجْرِمُ الْمُسْلِمُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ جَازَ قَتْلُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْتَلُ الْكَافِرُ إِذَا الْتَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ إِلَّا إِذَا قَاتَلَ فِيهِ لِنَصِّ هَاتِهِ الْآيَةِ وَهِيَ مُحْكَمَةٌ عِنْدَهُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَهُوَ قَول طَاوُوس وَمُجَاهِدٍ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» : حَضَرْتُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِمَدْرَسَةِ أَبِي عُقْبَةَ الْحَنَفِيِّ وَالْقَاضِي الزِّنْجَانِيُّ يُلْقِي عَلَيْنَا الدَّرْسَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَطْمَارٌ فَسَلَّمَ سَلَامَ الْعُلَمَاءِ وَتَصَدَّرَ فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ الْقَاضِي الزِّنْجَانِيُّ: مَنِ السَّيِّدُ؟
فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِصَاغَانَ سَلَبَهُ الشُّطَّارُ أَمْسِ، وَمَقْصِدِي هَذَا الْحَرَمُ الْمُقَدَّسُ فَقَالَ الْقَاضِي الزِّنْجَانِيُّ: سَلُوهُ عَنِ الْعَادَةِ فِي مُبَادَرَةِ الْعُلَمَاءِ بِمُبَادَرَةِ أَسْئِلَتِهِمْ، وَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إِذَا الْتَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ هَلْ يُقْتَلُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَسُئِلَ عَنِ الدَّلِيلِ فَقَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قُرِئَ (وَلَا تَقْتُلُوهُمْ) فَالْآيَةُ نَصٌّ وَإِنْ قُرِئَ (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ) فَهِيَ تَنْبِيهٌ، لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنِ الْقِتَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَتْلِ كَانَ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى النَّهْيِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست