responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 196
وَقَوْلُهُ: مَواقِيتُ لِلنَّاسِ أَيْ مَوَاقِيتُ لِمَا يُوَقَّتُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَيْ لِفَائِدَةِ النَّاسِ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ لِأَعْمَالِ النَّاسِ، وَلَمْ تُذْكَرِ الْأَعْمَالُ الْمُوَقَّتَةُ بِالْأَهِلَّةِ لِيَشْمَلَ الْكَلَامُ كُلَّ عَمَلٍ مُحْتَاجٍ إِلَى التَّوْقِيتِ، وَعَطَفَ الْحَجَّ عَلَى النَّاسِ مَعَ اعْتِبَار الْمُضَاف الْمَحْذُوفِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَاحْتِيَاجُ الْحَجِّ لِلتَّوْقِيتِ ضَرُورِيٌّ إِذْ
لَوْ لَمْ يُوَقَّتْ لَجَاءَ النَّاسُ لِلْحَجِّ مُتَخَالِفِينَ فَلَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي أَسْفَارِهِمْ وَحُلُولِهِمْ بِمَكَّةَ وَأَسْوَاقِهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ مُوَقَّتَةً بِالْأَهِلَّةِ، وَبِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ تَوْقِيتَهُ بِالْهِلَالِ تَكْمِيلِيٌّ لَهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُورَةٌ عَلَى الذَّاتِ فَلَوْ جَاءَ بِهَا الْمُنْفَرِدُ لَحَصَلَ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ وَلَكِنْ شُرِعَ فِيهِ تَوْحِيدُ الْوَقْتِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّ الصَّعْبَ يَخِفُّ بِالِاجْتِمَاعِ وَلِيَكُونَ حَالُهُمْ فِي تِلْكَ الْمدَّة متماثلا فَلَا يَشُقُّ أَحَدٌ عَلَى آخَرَ فِي اخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا.
وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَالْمِيقَاتُ جَاءَ بِوَزْنِ اسْمِ الْآلَةِ مِنْ وَقَّتَ وَسَمَّى الْعَرَبُ بِهِ الْوَقْتَ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا مُشْتَقًّا مِنَ الشُّهْرَةِ، لِأَنَّ الَّذِي يَرَى هِلَالَ الشَّهْرِ يُشْهِرُهُ لَدَى النَّاسِ. وَسَمَّى الْعَرَبُ الْوَقْتَ الْمُعَيَّنَ مِيقَاتًا كَأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ الْوَقْتُ عَيْنُهُ. وَقِيلَ:
الْمِيقَاتُ أَخَصُّ مِنَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ قُدِّرَ فِيهِ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ، قُلْتُ: فَعَلَيْهِ يَكُونُ صَوْغُهُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْآلَةِ اعْتِبَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمُعَيَّنَ يَكُونُ وَسِيلَةً لِتَحْدِيدِ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ آلَةٌ لِلضَّبْطِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا وَقْتَ لَهَا فَلَا تَكُونُ لِلْأَهِلَّةِ فَائِدَةٌ فِي فِعْلِهَا.
وَمَجِيءُ ذِكْرِ الْحَجِّ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ يَسْتَطِيعُونَ الْحَج حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَمْنَعُونَهُمْ- إِشَارَةً إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ ثَابِتٌ وَلَكِنَّ الْمُشْرِكِينَ حَالُوا دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَدُونَهُ [1] . وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فِي [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: 97] وَعِنْدَ قَوْلِهِ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [الْبَقَرَة: 197] فِي هَذِهِ السُّورَةِ.

[1] فِيهِ نظر إِذْ الْأَظْهر أَن هَذِه الْآيَة نزلت بعد فرض الْحَج كَمَا قدمنَا قَرِيبا.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 196
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست