responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 15
لِيَشْهَدُوا عَلَى الْأُمَمِ لِأَنَّ الْآيَاتِ الْوَاقِعَةَ بَعْدَهَا هِيَ فِي ذِكْرِ أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْقِبْلَةُ.
وَقَوْلُهُ: وَكَذلِكَ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ فَيَتَعَيَّنُ تَعَرُّفُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَمَا هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْجَعْلِ الْعَجِيبِ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» فَاخْتَلَفَ شَارِحُوهُ فِي تَقْرِير كَلَامه وَتبين مُرَادِهِ، فَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: «الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَفْهُومِ أَيْ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الْبَقَرَة: 142] أَيْ كَمَا جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أَوْ كَمَا جَعَلَنَا قِبْلَتَكُمْ أَفْضَلَ قِبْلَةٍ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» اهـ. أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ:
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ يُومِئُ إِلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ إِلَيْهِ هُوَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَقْتَ قَوْلِ السُّفَهَاءِ مَا وَلَّاهُمْ [الْبَقَرَة: 142] عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهَذَا يَجْعَلُ الْكَافَ بَاقِيَةً عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى وَصْفِ «الْكَشَّافِ» الْجَعْلِ بِالْعَجِيبِ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْحَمْلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الْإِشَارَةِ وَإِنْ كَانَ إِشَارَةَ الْبَعِيدِ فَهُوَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا مِنْ دُونِ إِرَادَةِ بُعْدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْنًى تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ فَالْإِشَارَةُ حِينَئِذٍ إِلَى مَذْكُورٍ مُتَقَرِّرٍ فِي الْعِلْمِ فَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَى سَنَنِ الْإِشَارَاتِ.
وَحَمَلَ شُرَّاحُ «الْكَشَّافِ» الْكَافَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ التَّشْبِيهِ، فَأَمَّا الطِّيبِيُّ وَالْقُطْبُ فَقَالَا الْكَافُ فِيهِ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِجَعَلْنَاكُمْ أَيْ مِثْلُ الْجَعْلِ الْعَجِيبِ جَعَلْنَاكُمْ فَلَيْسَ تَشْبِيهًا وَلَكِنَّهُ تَمْثِيلٌ لِحَالَةٍ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِ:
يَهْدِي وَهُوَ الْأَمْرُ الْعَجِيبُ الشَّأْنِ أَيِ الْهُدَى التَّامُّ، وَوَجْهُ الْإِتْيَانِ بِإِشَارَةِ الْبَعِيدِ التَّنْبِيهُ عَلَى تَعْظِيمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ فِي «الْكَشَّافِ» بِالْجَعْلِ الْعَجِيبِ، فَالتَّعْظِيمُ هُنَا
لِبَدَاعَةِ الْأَمْرِ وَعَجَابَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْقُطْبَ سَاقَ كَلَامًا نَقَضَ بِهِ صَدْرَ كَلَامِهِ.
وَأَمَّا الْقَزْوِينِيُّ صَاحب «الْكَشْف» والتفتازانيّ فَبَيَّنَاهُ بِأَنَّ الْكَافَ مُقْحَمَةٌ كَالزَّائِدَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَمْثِيلٍ وَلَا تَشْبِيهٍ فَيَصِيرُ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى هَذَا نَائِبًا مَنَابَ مَفْعُولٍ مُطْلَقٍ لِجَعَلْنَاكُمْ كَأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ الْجَعْلَ جَعَلْنَاكُمْ أَيْ فَعَدَلَ عَنِ الْمَصْدَرِ إِلَى اسْمِ إِشَارَتِهِ النَّائِبِ عَنْهُ لِإِفَادَةِ عَجَابَةِ هَذَا الْجَعْلِ بِمَا مَعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ عَلَامَةِ الْبُعْدِ الْمُتَعَيِّنِ فِيهَا لِبُعْدِ الْمَرْتَبَةِ. وَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَقْصُودٌ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ بِإِيهَامِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمُشَبِّهُ أَنْ يُشَبِّهَ هَذَا فِي غَرَابَتِهِ لَمَا وَجَدَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُشَبِّهَهُ بِنَفْسِهِ وَهَذَا قريب من قَوْله النَّابِغَةِ: «وَالسَّفَاهَةُ كَاسْمِهَا»

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست