responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 147
إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ إِلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ حُضُورُ أَسْبَابِهِ، وَأَمَّا الْحُضُورُ فَمُسْتَعَارٌ لِلْعَرْوِ وَالظُّهُورِ، ثُمَّ إِنَّ إِطْلَاقَ الْمَوْتِ عَلَى أَسْبَابِهِ شَائِعٌ قَالَ رُوَيْشِدُ بْنُ كَثِيرٍ الطَّائِيُّ:
وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعَفْوِ والتمسوا ... قولا يبرّؤكم إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ
وَالْخَيْرُ الْمَالُ وَقِيلَ الْكَثِيرُ مِنْهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْمَالِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ.
كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ اسْتَأْثَرُوا بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ اسْتَأْثَرَ بِمَالِهِ أَقْرَبُ الذُّكُورِ لَهُ مِنْ أَبٍ أَوْ عَمٍّ أَوِ ابْنِ عَمِّ الْأَدْنِينَ فَالْأَدْنِينَ، وَكَانَ صَاحِبُ الْمَالِ رُبَّمَا أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ أَوْ بِجَمِيعِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَاخْتَصُّوا بِجَمَاعَتِهِمْ شَرَّعَ اللَّهُ لَهُمْ تَشْرِيكَ بَعْضِ الْقَرَابَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّنْ كَانُوا قَدْ يُهْمِلُونَ تَوْرِيثَهُ مِنَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْوَالِدَيْنِ فِي حَالِ وُجُودِ الْبَنِينَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرِ الْأَبْنَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَعَبَّرَ بِفِعْلِ (تَرَكَ) وَهُوَ مَاضٍ عَنْ مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ إِنْ يَتْرُكْ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اقْتِرَابِ الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْمُضِيِّ إِذَا أَوْشَكَ أَنْ يَصِيرَ مَاضِيًا، وَالْمعْنَى: إِن أوحشك إِنْ يَتْرُكَ خَيْرًا أَوْ
شَارَفَ أَنْ يَتْرُكَ خَيْرًا، كَمَا قَدَّرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ [النِّسَاء: 9] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُس: 96] فِي سُورَةِ يُونُسَ أَيْ حَتَّى يُقَارِبُوا رُؤْيَةَ الْعَذَابِ.
وَالْوَصِيَّةُ فَعِيلَةٌ من وصّى فَهُوَ الْمُوَصَّى بِهَا فَوَقَعَ الْحَذْفُ وَالْإِيصَالُ لِيَتَأَتَّى بِنَاءُ فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مُفَعُولَةٍ لِأَنَّ زِنَةَ فَعِيلَةٍ لَا تُبْنَى مِنَ الْقَاصِرِ. وَالْوَصِيَّةُ الْأَمْرُ بِفِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ مِمَّا فِيهِ نَفْعٌ لِلْمَأْمُورِ أَوْ لِلْآمِرِ فِي مَغِيبِ الْآمِرِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَشَاعَ إِطْلَاقُهَا عَلَى أَمْرٍ بِشَيْءٍ يَصْلُحُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَفِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَوْعِظَةً وَجَلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا إِلَخْ» .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْوَصِيَّةِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ أَيْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَكُمْ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَقَوْلُهُ: لِلْوالِدَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَصِيَّةِ مَعْمُولٌ لَهُ لِأَنَّ اسْمَ الْمَصْدَرِ يَعْمَلُ عَمَلَ الْمَصْدَرِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيله بِأَن وَالْفِعْلِ، وَالْوَصِيَّة مَرْفُوعٌ نَائِبٌ عَنِ الْفَاعِلِ لِفِعْلِ كُتِبَ، وإِذا ظَرْفٌ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست