responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 142
حَاصِلٌ مِنْ أَخِيهِ إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا تَحْرِيضٌ لِمَنْ عُفِيَ لَهُ عَلَى أَنْ يَقْبَلَ مَا عُفِيَ لَهُ وَتَحْرِيضٌ لِأَخِيهِ عَلَى أَدَاءِ مَا بَذَلَهُ بِإِحْسَانٍ. وَالِاتِّبَاعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْقَبُولِ وَالرِّضَا، أَيْ فَلْيَرْضَ بِمَا عُفِيَ لَهُ
كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» .
وَالضَّمِيرُ الْمُقَدَّرُ فِي (اتِّبَاعٌ) عَائِد إِلَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمُقَدَّرُ فِي أَدَاءٌ عَائِدٌ
إِلَى (أَخِيه) ، وَالْمعْنَى: فليرضى بِمَا بَذَلَ لَهُ مِنَ الصُّلْحِ الْمُتَيَسَّرِ، وَلْيُؤَدِّ بَاذِلُ الصُّلْحِ مَا بَذَلَهُ دُونَ مُمَاطَلَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِإِلَى عَائِدَانِ عَلَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ.
وَمَقْصِدُ الْآيَةِ التَّرْغِيبُ فِي الرِّضَا بِأَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ دَمِ الْقَتِيلِ بَدَلًا مِنَ الْقِصَاصِ لِتَغْيِيرِ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَيَّرُونَ بِهِ مِنْ أَخْذِ الصُّلْحِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَيُعِدُّونَهُ بَيْعًا لِدَمِ مَوْلَاهُمْ كَمَا قَالَ مُرَّةُ الْفَقْعَسِيُّ:
فَلَا تَأْخُذُوا عَقْلًا مِنَ الْقَوْمِ إِنَّنِي ... أَرَى الْعَارَ يَبْقَى وَالْمَعَاقِلَ تَذْهَبُ
وَقَالَ غَيْرُهُ يَذْكُرُ قَوْمًا لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ صُلْحًا عَنْ قَتِيلٍ:
فَلَوْ أَنَّ حَيًّا يَقْبَلُ الْمَالَ فِدْيَةً ... لسقنا لَهُم سَببا مِنَ الْمَالِ مُفْعَمًا

وَلَكِنْ أَبَى قَوْمٌ أُصِيبَ أَخُوهُمْ ... رِضَا الْعَارِ فَاخْتَارُوا عَلَى اللَّبَنِ الدَّمَا
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعَفْوِ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَإِنَّ شَأْنَهُ الدِّيَةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَإِطْلَاقُ وَصْفِ الْأَخِ عَلَى الْمُمَاثِلِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ تَأْسِيسُ أَصْلٍ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ جَعَلَ بِهِ التَّوَافُقُ فِي الْعَقِيدَةِ كَالتَّوَافُقِ فِي نَسَبِ الْأُخُوَّةِ، وَحَقًّا فَإِنَّ التَّوَافُقَ فِي الدِّينِ آصِرَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ وَالتَّوَافُقَ فِي النَّسَبِ آصِرَةٌ جَسَدِيَّةٌ وَالرُّوحُ أَشْرَفُ مِنَ الْجَسَدِ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْخَوَارِجِ فِي أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ، لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْقَاتِلَ أَخًا لِوَلِيِّ الدَّمِ وَتِلْكَ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ مَعَ كَوْنِ الْقَاتِلِ عَاصِيًا.
وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ الْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي تَأْلَفُهُ النُّفُوسُ وَتَسْتَحْسِنُهُ فَهُوَ مِمَّا تُسَرُّ بِهِ النُّفُوسُ وَلَا تَشْمَئِزُّ مِنْهُ وَلَا تُنْكِرُهُ، وَيُقَالُ لِضِدِّهِ مُنْكَرٌ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آلِ عمرَان: 110] فِي سُورَة آل عِمْرَانَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست