responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 129
وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِنَصْبِ الْبِرَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْ تُوَلُّوا اسْمُ لَيْسَ مُؤَخَّرٌ، وَيَكْثُرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الِاسْمِ فِي بَابِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا إِذَا كَانَ أَحَدُ مَعْمُولَيْ هَذَا الْبَابِ مُرَكَّبًا مِنْ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ وَفِعْلِهَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْخِيَارِ فِي
الْمَعْمُولِ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَرْفَعَهُ وَأَنْ يَنْصِبَهُ وَشَأْنُ اسْمِ لَيْسَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَدِيرَ بِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً بِهِ، فَوَجْهُ قِرَاءَةِ رَفْعِ الْبِرَّ أَنَّ الْبِرَّ أَمْرٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْأَدْيَانِ مَرْغُوبٌ لِلْجَمِيعِ فَإِذَا جُعِلَ مُبْتَدَأً فِي حَالَةِ النَّفْيِ أَصْغَتِ الْأَسْمَاعُ إِلَى الْخَبَرِ، وَأَمَّا تَوْجِيهُ قِرَاءَةِ النَّصْبِ فَلِأَنَّ أَمْرَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ هُوَ الشُّغْلُ الشَّاغِلُ لَهُمْ فَإِذَا ذُكِرَ خَبَرُهُ قَبْلَهُ تَرَقَّبَ السَّامِعُ الْمُبْتَدَأَ فَإِذَا سَمِعَهُ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ إِخْبَارٌ عَنِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الذَّاتِ لِلْمُبَالَغَةِ كَعَكْسِهِ فِي قَوْلِهَا: «فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ» وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً [الْملك: 30] وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَقَدْ خِفْتُ مَا تَزِيدَ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
أَيْ وَعِلٍ هُوَ مَخَافَةُ أَيِّ خَائِفٍ، وَمَنْ قَدَّرَ فِي مِثْلِهِ مُضَافًا أَيْ بِرُّ مَنْ آمَنَ أَوْ وَلَكِنْ ذُو الْبِرِّ فَإِنَّمَا عُنِيَ بَيَانُ الْمَعْنَى لَا أَنَّ هُنَالِكَ مِقْدَارًا لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنِ الْبَلَاغَةِ إِلَى كَلَام مغول كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ، وَعَنِ الْمُبَرِّدِ: لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يَقْرَأُ لَقَرَأْتُ وَلَكِنِ الْبِرُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ التَّقْدِيرِ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْبِرِّ بِجُمْلَةِ: مَنْ آمَنَ لِأَنَّ مَنْ آمَنَ هُوَ الْبَارُّ لَا نَفْسُ الْبِرِّ وَكَيْفَ يَقْرَأُ كَذَلِكَ والْبِرَّ مَعْطُوف بلكن فِي مُقَابَلَةِ الْبِرِّ الْمُثْبَتِ فَهَلْ يَكُونُ إِلَّا عَيْنُهُ وَلِذَا لَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ إِلَّا الْبِرَّ بِكَسْرِ الْبَاءِ، عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَاتِ مَرْوِيَّةٌ وَلَيْسَتِ اخْتِيَارًا وَلَعَلَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَنِ الْمُبَرِّدِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ (وَلَكِنِ الْبِرُّ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ لَكِنَّ وَرَفْعِ الْبِرِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَقَرَأَهُ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ بِتَشْدِيدِ نُونِ (لَكِنَّ) وَنَصْبِ (الْبِرِّ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَتَعْرِيفُ وَالْكِتابِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ آمَنَ بِكُتُبِ اللَّهِ مِثْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَوَجْهُ التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ أَنَّهَا أَخَفُّ مَعَ عَدَمِ الْتِبَاسِ التَّعْرِيفِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ لِأَنَّ عَطْفَ (النَّبِيِّينَ) عَلَى (الْكِتَابِ) قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي (الْكِتَابِ) لِلِاسْتِغْرَاقِ فَأُوثِرَتْ صِيغَةُ الْمُفْرَدِ طَلَبًا لِخِفَّةِ اللَّفْظِ. وَمَا يُظَنُّ مِنْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَشْمَلُ مِنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا لَيْسَ جَارِيًا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَإِنَّمَا تَوَهَّمَهُ السَّكَّاكِيُّ فِي «الْمِفْتَاحِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مَرْيَم: 4]

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 129
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست