responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 120
صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ: هَلَّا لَقَصْدِ التَّنْبِيهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَهَلَا أَيْضًا اسْمُ صَوْتٍ لِزَجْرِ الْخَيْلِ، وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهِلَالِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ عِنْدِي مِنْ تَلْفِيقَاتِ اللُّغَوِيِّينَ وَأَهْلِ الِاشْتِقَاقِ، وَلَعَلَّ اسْمَ الْهِلَالِ إِنْ كَانَ مُشْتَقًّا وَكَانُوا يُصِيحُونَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الَّذِي اشْتَقَّ مِنْ هَلَّ وَأَهَّلَ بِمَعْنَى رَفَعَ صَوْتَهُ، لِأَنَّ تَصَارِيفَ أَهَلَّ أَكْثَرُ، وَلِأَنَّهُمْ سَمَّوُا الْهِلَالَ شَهْرًا مِنَ الشُّهْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا ذَبَحَتْ أَوْ نَحَرَتْ لِلصَّنَمِ صَاحُوا بِاسْمِ الصَّنَمِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالُوا بِاسْمِ اللَّاتِ أَوْ بِاسْمِ الْعُزَّى أَوْ نَحْوِهِمَا، وَكَذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأُمَمِ الَّتِي تَعْبُدُ آلِهَةً إِذَا قُرِّبَتْ لَهَا الْقَرَابِينُ، وَكَانَ نِدَاءُ الْمَعْبُودِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الذّبْح إِلَيْهِ عَادَة عِنْدَ الْيُونَانِ كَمَا جَاءَ فِي «الْإِلْيَاذَةِ» لِهُومِيرُوسَ.
فَأُهِلَّ فِي الْآيَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ مَا أَهَلَّ عَلَيْهِ الْمُهِلُّ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ، وَضُمِّنَ (أُهِلَّ) مَعْنَى تُقُرِّبَ فَعُدِّيَ لِمُتَعَلِّقِهِ بِالْبَاءِ وَبِاللَّامِ مِثْلُ تُقُرِّبَ، فَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ إِلَى مَا أُهِلَّ، وَفَائِدَةُ هَذَا التَّضْمِينِ تَحْرِيمُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ نُودِيَ عَلَيْهِ بِاسْمِ الْمُتَقَرَّبِ إِلَيْهِ أَمْ لَا، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ اللَّهِ الْأَصْنَامُ وَنَحْوُهَا.
وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ سُودَانُ بَلَدِنَا بِنِيَّةِ أَنَّ الْجِنَّ تَشْرَبُ دَمَهُ وَلَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ زَعْمًا بِأَنَّ الْجِنَّ تَفِرُّ مِنْ نُورَانِيَّةِ اسْمِ اللَّهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَهُ مُسْلِمِينَ وَلَا يُخْرِجُهُمْ ذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي «تَفْسِيرِهِ» : الْأَظْهَرُ جَوَازُ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: «فَمَنِ اضْطُرَّ» إِلَخْ الْفَاءُ فِيهِ لِتَفْرِيعِ الْإِخْبَارِ لَا لِتَفْرِيعِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْمُضْطَرِّ لَا يَنْشَأُ عَنِ التَّحْرِيمِ، وَالْمُضْطَرُّ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَتْهُ الضَّرُورَةُ أَيِ الْحَاجَةُ أَيِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ حَالٌ، وَالْبَغْيُ الظُّلْمُ، وَالْعُدْوَانُ الْمُحَارَبَةُ وَالْقِتَالُ، وَمَجِيءُ هَذِهِ الْحَالِ هُنَا لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْمُضْطَرِّ فِي حَالِ إِبَاحَةِ هَاتِهِ الْمُحَرَّمَاتِ لَهُ بِأَنَّهُ بِأَكْلِهَا يَكُونُ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُلْجِئُ إِلَى الْبَغْيِ وَالِاعْتِدَاءِ فَالْآيَةُ إِيمَاءٌ إِلَى عِلَّةِ الرُّخْصَةِ وَهِيَ رَفْعُ الْبَغْيِ
وَالْعُدْوَانِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَهِيَ أَيْضًا إِيمَاءٌ إِلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ الَّتِي يَشْعُرُ عِنْدَهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ دَأَبُهُ الْبَغْيَ وَالْعُدْوَانَ بِأَنَّهُ سَيَبْغِي وَيَعْتَدِي

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 120
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست