responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 116
وَالْأَزْلَامُ مُتَعَيَّنٌ لِاجْتِنَابِ اللَّعِبِ بِهَا دُونَ نَجَاسَةِ ذَوَاتِهَا.
وَالْمَيْتَةُ هُنَا عَامٌّ لِأَنَّهُ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ، فَتَحْرِيمُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ هُوَ نَصُّ الْآيَةِ
وَصَرِيحُهَا لِوُقُوعِ فِعْلِ حَرَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ [الْبَقَرَة: 172] وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا الْأَكْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ كَالِانْتِفَاعِ بِصُوفِهَا وَمَا لَا يَتَّصِلُ بِلَحْمِهَا مِمَّا كَانَ يُنْتَزَعُ مِنْهَا فِي وَقْتِ حَيَاتِهَا فَقَالَ مَالِكٌ:
يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِقَرْنِهَا وَأَظْلَافِهَا وَرِيشِهَا وَأَنْيَابِهَا لِأَنَّ فِيهَا حَيَاةً إِلَّا نَابَ الْفِيلِ الْمُسَمَّى الْعَاجَ، وَلَيْسَ دَلِيلُهُ عَلَى هَذَا التَّحْرِيمِ مُنْتَزَعًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَكِنَّهُ أُخِذَ بِدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَشَارَ إِلَى خَبَاثَةِ لَحْمِهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِكُلِّ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ مِنْ فِعْلِ حَرَّمَ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي حَيِّزِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ لَهُ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الْمَيْتَةَ كُلٌّ وَلَيْسَ كُلِّيًّا فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَيَرْجِعُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ إِلَى مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِي الْأَخْذِ بِأَوَائِلِ الْأَسْمَاءِ أَوْ أَوَاخِرِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَرْجِعُ إِلَى إِعْمَالِ دَلِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَفِيهِ مَرَاتِبُ وَعَلَيْهِ قَرَائِنُ وَلَا أَحْسُبَهَا مُتَوَافِرَةً هُنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَيْتَةِ بِوَجْهٍ وَلَا يُطْعَمُهَا الْكِلَابُ وَلَا الْجَوَارِحُ، لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَقَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا مُعَلَّقًا بِعَيْنِهَا مُؤَكَّدًا بِهِ حُكْمُ الْحَظْرِ، فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَا عَدَا اسْتِدْلَالَهُ.
وَأَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ فَلَهُ شِبْهٌ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرِهِ كَشِبْهِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ، وَمِنْ جِهَةِ بَاطِنِهِ كَشِبْهِ اللَّحْمِ، وَلِتَعَارُضِ هَذَيْنِ الشِّبْهَيْنِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ [1] إِذَا دُبِغَ فَقَالَ أَحْمَدُ ابْن حَنْبَلٍ: لَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالدَّبْغِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ مَا عَدَا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَنُسِبَ هَذَا إِلَى الزُّهْرِيِّ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ جِلْدَ الْكَلْبِ بِجِلْدِ الْخِنْزِيرِ، وَقَالَ مَالِكٌ يَطْهُرُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ بِالدَّبْغِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ صُلْبًا لَا يُدَاخِلُهُ مَا يُجَاوِرُهُ، وَأَمَّا بَاطِنُهُ فَلَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَلِذَلِكَ قَالَ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ فِي غَيْرِ وَضْعِ الْمَاءِ فِيهِ، وَمَنَعَ أَنْ يُصَلَّى بِهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْجَحُ
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَاةً مَيْتَةً كَانَتْ لِمَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ»
، وَلِمَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلِهِ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»
(2) ، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَمْ يَبْلُغَا مَبْلَغَ الصِّحَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَكِنَّ صِحَّتَهُمَا ثَبَتَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ

[1] انْظُر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي «الْبِدَايَة» لِابْنِ رشد (1/ 78) ، دَار الْمعرفَة.
(2) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد وَابْن مَاجَه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست