responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 114
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 172]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
اعْتِرَاضٌ بِخِطَابِ الْمُسْلِمِينَ بِالِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ بِإِبَاحَةِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، جَرَتْ إِلَيْهِ مُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ، فَقَدِ انْتَقَلَ مِنْ تَوْبِيخِ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَنْ حَرَّمُوا مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ إِلَى تَحْذِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَثَلِ ذَلِكَ مَعَ بَيَانِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ، وَقَدْ أُعِيدَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ جُمْلَةِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ [الْبَقَرَة: 168] بِمَضْمُونِ جُمْلَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ لِيَكُونَ خِطَابُ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْخطاب هُنَا بيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وَالْكَلَامُ عَلَى الطَّيِّبَاتِ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَقَوْلُهُ: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَمْرِ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ الدَّالِّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالِامْتِنَانِ، وَالْأَمْرُ فِي اشْكُرُوا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنَعِمِ وَاجِبٌ. وَتَقَدَّمَ وَجْهُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الشُّكْرِ بِحَرْفِ اللَّامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاشْكُرُوا لِي [الْبَقَرَة: 152] .
وَالْعُدُولُ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ إِشْعَارًا بِالْإِلَهِيَّةِ فَكَأَنَّهُ يُومِئُ إِلَى أَلَّا تُشْكَرَ الْأَصْنَامُ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْلُقْ شَيْئًا مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ بِاعْتِرَافِ الْمُشْرِكِينَ أَنْفُسِهِمْ فَلَا تَسْتَحِقُّ شُكْرًا. وَهَذَا مِنْ جَعْلِ اللَّقَبِ ذَا مَفْهُومٍ بِالْقَرِينَةِ إِذِ الضَّمِيرُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ. وَلِذَلِكَ جَاءَ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أَيِ اشْكُرُوهُ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِأَنَّهُ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ هَذَا الْفَرِيقَ وَهَذِهِ سَجِيَّتُكُمْ، وَمِنْ شَأْنِ كَانَ إِذَا جَاءَتْ وَخَبَرُهَا جُمْلَةٌ مُضَارِعِيَّةٌ أَنْ تَدُلَّ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْعُنْوَانِ لَا عَلَى الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يُوسُف: 43] أَيْ إِنْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ صِفَاتِكُمْ، وَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ لَا تُشْرِكُونَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَهُ فَاشْكُرُوهُ وَحْدَهُ. فَالْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ هُنَا الِاعْتِقَادُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْخُضُوعُ وَالِاعْتِرَافُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الطَّاعَاتِ الشَّرْعِيَّةَ.
وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَغْنَى عَنهُ مَا تقدم مِنْ قَوْله وَاشْكُرُوا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 114
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست