responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 81
وَ (صُمًّا وَعُمْياناً) حَالَانِ مِنْ ضَمِيرِ يَخِرُّوا، مُرَادٌ بِهِمَا التَّشْبِيهُ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ، أَيْ يَخِرُّونَ كَالصُّمِّ وَالْعُمْيَانِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَسْمُوعِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُبْصَرِ مِنْهَا مِمَّا يُذَكَّرُونَ بِهِ. فَالنَّفْيُ عَلَى هَذَا مُنْصَبٌّ إِلَى الْفِعْلِ وَإِلَى قَيْدِهِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ. وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهُ النَّفْيِ إِلَى الْقَيْدِ كَمَا هُوَ اسْتِعْمَالٌ غَالِبٌ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» ، فَالْمَعْنَى: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا فِي حَالَةٍ كَالصَّمَمِ وَالْعَمَى وَلَكِنَّهُمْ يَخِرُّونَ عَلَيْهَا سَامِعِينَ مُبْصِرِينَ فَيَكُونُ الْخُرُورُ مُسْتَعَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى الْعَمَلِ بِشَرَاشِرِ الْقَلْبِ، كَمَا يُقَالُ:
أَكَبَّ عَلَى كَذَا، أَيْ صَرَفَ جُهْدَهُ فِيهِ، فَيَكُونُ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي أَنَّهُمْ يُصَمُّونَ وَيُعْمَوْنَ
عَنِ الْآيَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ يَخِرُّونَ عَلَى تَلَقِّيهَا تَظَاهُرًا مِنْهُمْ بِالْحِرْصِ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلِيقُ لَوْ كَانَ الْمُعَرَّضُ بِهِمْ مُنَافِقِينَ، وَكَيْفَ وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَكَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ تَلَقِّي الدَّعْوَةِ عَلَنًا، قَالَ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] . وَقَالَ: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت: 5] .
[74]

[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 74]
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74)
هَذِهِ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ يُعْنَوْنَ بِانْتِشَارِ الْإِسْلَامِ وَتَكْثِيرِ أَتْبَاعِهِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّاتِ تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، فَالْأَزْوَاجُ يُطِعْنَهُمْ بِاتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفَاتٍ أَزْوَاجَهُمْ فِي الدِّينِ، والذّريات إِذا نشأوا نشأوا مُؤْمِنِينَ، وَقَدْ جُمِعَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي صِفَةِ قُرَّةَ أَعْيُنٍ. فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْكَمَالِ فِي الدِّينِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَحْوَالِ فِي الْحَيَاةِ إِذْ لَا تَقَرُّ عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا بِأَزْوَاجٍ وَأَبْنَاءٍ مُؤْمِنِينَ. وَقَدْ نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ إِبْقَاءِ النِّسَاءِ الْكَوَافِرِ فِي الْعِصْمَةِ بِقَوْلِهِ: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة: 10] ، وَقَالَ: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ [الْأَحْقَاف: 17] الْآيَةَ. فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جُعِلَ دُعَاؤُهُمْ هَذَا مِنْ أَسْبَابِ جَزَائِهِمْ بِالْجَنَّةِ وَإِن كَانَ فِيهِ حَظٌّ لِنُفُوسِهِمْ بِقُرَّةِ أَعْيُنِهِمْ إِذْ لَا يُنَاكِدُ حَظُّ النَّفْسِ حَظَّ الدِّينِ فِي أَعْمَالِهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن رَوَاحَةَ وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، فَدَعَا لَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلِمَنْ مَعَهُ أَنْ يَرُدَّهُمُ اللَّهُ سَالِمِينَ فَقَالَ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 81
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست