responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 25
عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ تَمْثِيلَهُمْ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ رُسُلَهُمْ لِيَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ مَوْعِظَةُ هَؤُلَاءِ وَزِيَادَةُ تَسْلِيَةِ الرَّسُولِ وَالتَّعْرِيضُ بِوَعْدِهِ بِالِانْتِصَارِ لَهُ.
وَابْتُدِئَ بِذِكْرِ مُوسَى وَقَوْمِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ زَمَنًا مِنَ الَّذِينَ ذُكِرُوا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ بَقَايَا شَرْعِهِ
وَأُمَّتِهِ لَمْ تَزَلْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْعَرَبِ، فَإِنْ صَحَّ مَا رُوِيَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: 32] الْيَهُودُ، فَوَجْهُ الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَظْهَرُ.
وَحَرْفُ التَّحْقِيقِ وَلَامُ الْقَسَمِ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعِيدِ بِتَدْمِيرِهِمْ. وَأُرِيدَ بِالْكِتَابِ الْوَحْيُ الَّذِي يُكْتَبُ وَيُحْفَظُ وَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ مَا ابْتُدِئَ بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْأَلْوَاحَ لِأَنَّ إِيتَاءَهُ الْأَلْوَاحَ كَانَ بَعْدَ زَمَنِ قَوْلِهِ اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ، فَقَوْلُهُ فَقُلْنَا اذْهَبا مُفَرَّعٌ عَنْ إِيتَاءِ الْكِتَابِ، فَالْإِيتَاءُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ.
وَفِي وَصْفِ الْوَحْيِ بِالْكِتَابِ تَعْرِيضٌ بِجَهَالَةِ الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: 32] ، فَإِنَّ الْكُتُبَ الَّتِي أُوتِيَهَا الرُّسُلُ مَا كَانَتْ إِلَّا وَحْيًا نَزَلَ مُنَجَّمًا فَجَمَعَهُ الرُّسُلُ وَكتبه أتباعهم.
والتعرض هُنَا إِلَى تَأْيِيدِ مُوسَى بِهَارُونَ تَعْرِيض بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ قَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [الْفرْقَان: 7] فَإِنَّ مُوسَى لَمَّا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَأْيِيدَهُ لَمْ يُؤَيَّدْ بِمَلَكٍ وَلَكِنَّهُ أُيِّدَ بِرَسُولٍ مِثْلِهِ.
وَالْوَزِيرُ: الْمُؤَازِرُ وَهُوَ الْمُعَاوِنُ الْمُظَاهِرُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَزْرِ وَهُوَ الْقُوَّةُ. وَأَصْلُ الْأَزْرِ:
شَدُّ الظَّهْرِ بِإِزَارٍ عِنْدَ الْإِقْبَالِ عَلَى عَمَلٍ ذِي تَعَبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ طَهَ. وَكَانَ هَارُونُ رَسُولًا ثَانِيًا وَمُوسَى هُوَ الْأَصْلُ. وَالْقَوْمُ هُمْ قِبْطُ مِصْرَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ.
والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَصْفٌ لِلْقَوْمِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَقُولِ لِمُوسَى وَهَارُونَ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ حِينَئِذٍ لَمَّا يَقَعْ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ وَصْفٌ لِإِفَادَةِ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ بَلَّغَا الرِّسَالَةَ وَأَظْهَرَ اللَّهُ مِنْهُمَا الْآيَاتِ فَكَذَّبَ بِهَا قَوْمُ فِرْعَوْنَ فَاسْتَحَقُّوا التَّدْمِيرَ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ فِي تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَمْهِيدًا لِلتَّفْرِيعِ بِ فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّسْلِيَةِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 25
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست