responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 186
[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 185 إِلَى 188]
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188)
نَفَوْا رِسَالَتَهُ عَنِ اللَّهِ كِنَايَةً وَتَصْرِيحًا فَزَعَمُوهُ مَسْحُورًا، أَيْ مُخْتَلُّ الْإِدْرَاكِ وَالتَّصَوُّرَاتِ مِنْ جَرَّاءِ سِحْرٍ سُلِّطَ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ بُطْلَانِ أَنْ يَكُونَ مَا جَاءَ بِهِ رِسَالَةً عَنِ اللَّهِ. وَفِي صِيغَةِ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشُّعَرَاء: 116] مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشُّعَرَاء: 153] مِنَ الْمُخْرَجِينَ [الشُّعَرَاء: 167] .
وَالْإِتْيَانُ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا يَجْعَلُ كَوْنَهُ بَشَرًا إِبْطَالًا ثَانِيًا لِرِسَالَتِهِ. وَتَرْكُ الْعَطْفِ فِي قِصَّةِ ثَمُودَ يَجْعَلُ كَوْنُهُ بَشَرًا حُجَّةً عَلَى أَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ لَيْسَ وَحْيًا عَلَى اللَّهِ بَلْ هُوَ مِنْ تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَسْحُورًا. فَمَآلُ مَعْنَيَيِ الْآيَتَيْنِ مُتَّحِدٌ وَلَكِنَّ طَرِيقَ إِفَادَتِهِ مُخْتَلِفٌ وَذَلِكَ عَلَى حَسَبِ أُسْلُوبِ الْحِكَايَتَيْنِ.
وَأُطْلِقَ الظَّنُّ عَلَى الْيَقِينِ فِي وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ كَقَوْلِهِ:
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 46] ، وَقَرِينَتُهُ هُنَا دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ (ظَنَّ) لِأَنَّ أَصْلَهَا لَامُ قَسَمٍ.
وإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ فِي لَمِنَ الْكاذِبِينَ اللَّامُ الْفَارِقَةُ، وَحَقُّهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى مَا أَصْلُهُ الْخَبَرُ فَيُقَالُ هُنَا مَثَلًا: وَإِنْ أَنْتَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، لَكِنَّ الْعَرَبَ تَوَسَّعُوا فِي الْمُخَفَّفَةِ فَكَثِيرًا مَا يُدْخِلُونَهَا عَلَى الْفِعْلِ النَّاسِخِ لِشِدَّةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فَيَجْتَمِعُ
فِي الْجُمْلَةِ حِينَئِذٍ نَاسِخَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً [الْبَقَرَة: 143] وَكَانَ أَصْلُ التَّرْكِيبِ فِي مَثَلِهِ: وَنَظُنُّ أَنَّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، فَوَقَعَ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ لِأَجْلِ تَصْدِيرِ حَرْفِ التَّوْكِيدِ لِأَنَّ (إِنَّ) وَأَخَوَاتِهَا لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ مَا عَدَا (أَنِ) الْمَفْتُوحَةَ. وَأَحْسَبُ أَنَّهُمْ مَا يُخَفِّفُونَ (إِنَّ) إِلَّا عِنْدَ إِرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فِعْلٍ مِنَ النَّوَاسِخِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّنَازُعِ، فَالَّذِي يَقُولُ: إِنْ أَظُنُّكَ لَخَائِفًا، أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَظُنُّ أَنَّكَ لَخَائِفٌ، فَقَدَّمَ (إِنَّ) وَخَفَّفَهَا وَصَيَّرَ خَبَرَهَا مَفْعُولًا لِفِعْلِ الظَّنِّ، فَصَارَ: إِنْ أَظُنُّكَ لَخَائِفًا، وَالْكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَ إِنْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِعِ حَرْفَ نَفْيٍ وَيَجْعَلُونَ اللَّامَ بِمَعْنَى (إِلَّا) .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست