responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 141
وَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ اتِّبَاعًا لِلِاسْتِعْمَالِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ صَدَارَةُ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ. وَفِعْلُ الرُّؤْيَةِ قَلْبِيٌّ.
وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ عَلَى إِرَادَةِ التَّعْجِيبِ مِمَّا يُعْلَمُ مِنْ شَأْنِهِ. وَلِذَلِكَ كَثُرَ إِرْدَافُهُ بِكَلَامٍ يُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَجَائِبِ أَحْوَالِ مَفْعُولِ الرُّؤْيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلًا [النَّجْم: 33، 34] الْآيَةَ، وَمِنْهُ تَعْقِيبُ قَوْلِهِ
هُنَا أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي.
وَعُطِفَ آباؤُكُمُ عَلَى أَنْتُمْ لِزِيَادَةِ إِظْهَارِ قِلَّةِ اكْتِرَاثِهِ بِتِلْكَ الْأَصْنَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَقْدَمِينَ عَبَدُوهَا فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ إِبْطَالَ شُبْهَتِهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِهَا الْعِبَادَةَ.
وَوَصْفُ الْآبَاءِ بِالْأَقْدَمِيَّةِ إِيغَالٌ فِي قِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِتَقْلِيدِهِمْ لِأَنَّ عُرْفَ الْأُمَمِ أَنَّ الْآبَاءَ كُلَّمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُمْ كَانَ تَقْلِيدُهُمْ آكَدَ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنَ التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا. وَيَجُوزُ جَعْلُ الرُّؤْيَةِ بَصَرِيَّةً لَهَا مَفْعُولٌ وَاحِدٌ وَجَعْلُ الِاسْتِفْهَامِ تَقْرِيرِيًّا وَالْكَلَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ لِشَيْءٍ يُرِيدُ الْمُتَكَلِّمُ الْحَدِيثَ عَنْهُ لِيَعِيَهُ السَّامِعُ حَقَّ الْوَعْيِ، أَوْ فَاءٌ فَصِيحَةٌ بِتَقْدِيرِ: إِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ فَاعْلِمُوا أَنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي. وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ مُنْقَطِعٌ. وإِلَّا بِمَعْنى (لَكِن) إِذا كَانَ رَبُّ الْعَالَمِينَ غَيْرَ مَشْمُولٍ لِعِبَادَتِهِمْ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِالْخَالِقِ وَلَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ آلِهَتَهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ كَمَا هُوَ حَالُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الْأَنْبِيَاء: 63] فَهُوَ الصَّنَمُ الْأَعْظَمُ عِنْدَهُمْ، وَإِلَى قَوْلِهِ: قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ [الْأَنْعَام: 80] . وَيَظْهَرُ أَنَّ الْكَلْدَانِيِّينَ (قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ) لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِالْخَالِقِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ. وَكَانَ أَعْظَمُ الْآلِهَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ كَوْكَبَ الشَّمْسِ وَالصَّنَمُ الَّذِي يُمَثِّلُ الشَّمْسَ هُوَ (بَعْلُ) ، فَوَظِيفَةُ الْأَصْنَامِ عِنْدهم تَدْبِير شؤون النَّاسِ فِي حَيَاتِهِمْ. وَأَمَّا الْإِيجَادُ وَالْإِعْدَامُ فَكَانُوا مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] وَأَنَّ الْإِيجَادَ مِنْ أَعْمَالِ التَّنَاسُلِ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْ سِرِّ تَكْوِينِ تِلْكَ النُّظُمِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَإِيدَاعِهَا فِيهَا. وَقَدْ يَكُونُونَ مُعْتَرِفِينَ بِرَبّ عَظِيم خَالق لِلْأَكْوَانِ وَإِنَّمَا جَعَلُوا الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 141
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست