responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 138
كَأَصْنَامِ الْعَرَبِ آيَةٌ أَيْضًا. فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ آيَتَانِ دَالَّتَانِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ فِي الْبَقَرَةِ [124] .
وإِذْ قالَ ظَرْفٌ، أَيْ حِينَ قَالَ. وَالْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِلنَّبَأِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ قِصَّةٍ مَضَتْ فَنَاسَبَ أَنْ تُبَيَّنَ بِاسْمِ زَمَانٍ مُضَافٍ إِلَى مَا يُفِيدُ الْقِصَّةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ يُونُسَ [71] .
وَمَا اسْمُ اسْتِفْهَامٍ يُسْأَلُ بِهِ عَنْ تَعْيِينِ الْجِنْسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [23] . وَالِاسْتِفْهَامُ صُورِيٌّ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْتِفْهَامِ افْتِتَاحَ الْمُجَادَلَةِ مَعَهُمْ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ لِيَكُونُوا هُمُ الْمُبْتَدِئِينَ بِشَرْحِ حَقِيقَةِ عِبَادَتِهِمْ وَمَعْبُودَاتِهِمْ، فَتَلُوحُ لَهُمْ مِنْ خِلَالِ شَرْحِ ذَلِكَ لَوَائِحُ مَا فِيهِ مِنْ فَسَادٍ، لِأَنَّ الَّذِي يَتَصَدَّى لِشَرْحِ الْبَاطِلِ يُشْعِرُ بِمَا فِيهِ مِنْ بُطْلَانٍ عِنْدَ نَظْمِ مَعَانِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَلِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ جَوَابَهُمْ يَنْشَأُ عَنْهُ مَا يُرِيدُهُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى فَسَادِ دِينِهِمْ وَقَدْ أَجَابُوا اسْتِفْهَامَهُ بِتَعْيِينِ نَوْعِ مَعْبُودَاتِهِمْ.
وَأَدْخَلَ أَبَاهُ فِي إِلْقَاءِ السُّؤَالِ عَلَيْهِمْ: إِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ قَوْمِهِ إِذْ كَانَ سَادِنَ بَيْتِ الْأَصْنَامِ كَمَا رُوِيَ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَلَى انْفِرَادٍ وَسَأَلَ قَوْمَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَجَمَعَتِ الْآيَةُ حِكَايَةَ ذَلِكَ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْتَدَأَ بِمُحَاجَّةِ أَبِيه فِي خاصتهما ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مُحَاجَّةِ قَوْمِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ هِيَ الْمُحَاجَّةُ الْأُولَى فِي مَلَأِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ أَلْقَى فِيهَا دَعْوَتَهُ فِي صُورَةِ سُؤَالِ اسْتِفْسَارٍ غَيْرِ إِنْكَارٍ اسْتِنْزَالًا لِطَائِرِ نُفُورِهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ [الصافات 85، 86] فَذَلِكَ مَقَامٌ آخَرُ لَهُ فِي قومه كَانَ بعد الدعْوَة الأولى المحكية فِي سُورَة الصافات. وَلأَجل ذَلِك كَانَ الِاسْتِفْهَام مُقْتَرِنًا بِمَا يَقْتَضِي
التَّعَجُّبَ مِنْ حَالِهِمْ بِزِيَادَةِ كَلِمَةِ (ذَا) بَعْدَ (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء. وَكَلِمَةُ (ذَا) إِذَا وَقَعَتْ بعد (مَا) تؤول إِلَى مَعْنَى اسْمِ الْمَوْصُولِ فَصَارَ الْمَعْنَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: مَا هَذَا الَّذِي تَعْبُدُونَهُ، فَصَارَ الْإِنْكَارُ مُسَلَّطًا إِلَى كَوْنِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ تُعْبَدُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست