responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 16  صفحه : 302
وَالتَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إِلَى تَشْبِيهِهَا بِنَفْسِهَا كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهَا إِذَا أُرِيدَ تَشْبِيهُهَا وَتَقْرِيبُهَا بِمَا هُوَ أَعْرَفُ مِنْهَا فِي بَابِهَا لَمْ يَجِدْ مُرِيدُ ذَلِكَ طَرِيقًا لِنَفْسِهِ فِي التَّشْبِيهِ إِلَّا أَنْ يُشَبِّهَهَا بِنَفْسِهَا، لِأَنَّهَا لَا يَفُوقُهَا غَيْرُهَا فِي بَابِهَا حَتَّى تُقَرَّبَ بِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [143] ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ تَبْعِيضِيَّةٌ، هِيَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ:
قَصَصًا مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ (مِنْ) اسْمًا بِمَعْنَى بَعْضٍ، فَتَكُونُ مَفْعُولَ نَقُصُّ.
وَالْأَنْبَاءُ: الْأَخْبَارُ. وَ (مَا) الموصولة مَا صدقهَا الْأَزْمَانُ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تُضَافُ إِلَى أَزْمَانِهَا، كَقَوْلِهِمْ: أَخْبَارُ أَيَّامِ الْعَرَبِ، وَالْقُرُونِ الْوُسْطَى. وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ حَقِّهَا فِي الْمَوْصُولِيَّةِ أَنْ تُعَرَّفَ بِ (مَا) الْغَالِبَةِ فِي غَيْرِ الْعَاقِلِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، فَلَوْ عُرِّفَتْ بِ (مَنْ) الْغَالِبَةِ فِي الْعُقَلَاءِ لَصَحَّ ذَلِكَ وكل ذَلِكَ وَاسِعٌ.
وَقَوْلُهُ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً إِيمَاءً إِلَى أَنَّ مَا يُقَصُّ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ قَطْعُ حِصَّةِ الزَّمَانِ وَلَا إِينَاسُ السَّامِعِينَ بِالْحَدِيثِ إِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعِبْرَةُ وَالتَّذْكِرَةُ وَإِيقَاظٌ لِبَصَائِرِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى مَوْضِعِ الِاعْتِبَارِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ إِعْرَاضُ الْأُمَّةِ عَنْ هَدْيِ رَسُولِهَا وَانْصِيَاعِهَا إِلَى تَضْلِيلِ الْمُضَلِّلِينَ مِنْ بَيْنِهَا. فَلِلْإِيمَاءِ إِلَى هَذَا قَالَ تَعَالَى: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ.
وَتَنْكِيرُ ذِكْراً لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ آتَيْنَاكَ كِتَابًا عَظِيمًا. وَقَوْلُهُ مِنْ لَدُنَّا تَوْكِيدٌ لِمَعْنَى آتَيْناكَ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ كَانَتْ مَخْزُونَةً عِنْدَ اللَّهِ فَخَصَّ بِهَا خَيْرَ عِبَادِهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 16  صفحه : 302
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست