responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 16  صفحه : 142
يُفِيدُ عُمُومَ تَصَرُّفِهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْكَائِنَاتِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ أَمْرَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعِبَادَتِهِ، فَقَدِ انْتَقَلَ الْخِطَابُ إِلَيْهِ.
وَارْتَفَعَ رَبُّ السَّماواتِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مُلْتَزِمَ الْحَذْفِ فِي الْمَقَامِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ أَحَدٌ بِأَخْبَارٍ وَأَوْصَافٍ ثُمَّ يُرَادُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرٍ آخَرَ. وَهَذَا الْحَذْفُ سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ بِالْحَذْفِ الَّذِي اتُّبِعَ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ كَقَوْلِ الصَّوْلِيِّ أَوِ ابْنُ الزُّبَيْرِ- بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ-:
سَأَشْكُرُ عَمْرًا إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي ... أَيَادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وَإِنْ هِيَ جَلَّتِ

فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ ... وَلَا مُظْهِرِ الشَّكْوَى إِذَا النَّعْلُ زَلَّتِ
وَالسَّمَاوَاتُ: الْعَوَالِمُ الْعُلْوِيَّةُ. وَالْأَرْضُ: الْعَالَمُ السُّفْلِيُّ، وَمَا بَيْنَهُمَا: الْأَجْوَاءُ وَالْآفَاقُ. وَتِلْكَ الثَّلَاثَةُ تَعُمُّ سَائِرَ الْكَائِنَاتِ.
وَالْخِطَابُ فِي فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ وهَلْ تَعْلَمُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَفْرِيعُ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمُنَاسِبَةِ وَيَحْصُلُ مِنْهُ التَّخَلُّصُ إِلَى التَّنْوِيهِ بِالتَّوْحِيدِ وَتَفْظِيعِ الْإِشْرَاكِ.
وَالِاصْطِبَارِ: شِدَّةُ الصَّبْرِ عَلَى الْأَمْرِ الشَّاقِّ، لِأَنَّ صِيغَةَ الِافْتِعَالِ تَرِدُ لِإِفَادَةِ قُوَّةِ الْفِعْلِ. وَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يُعَدَّى الِاصْطِبَارُ بِحَرْفِ (عَلَى) كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه: 132] وَلكنه عُدِّيَ هُنَا بِاللَّامِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الثَّبَاتِ. أَيِ اثْبُتْ لِلْعِبَادَةِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مَرَاتِبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَقَدْ يَغْلِبُ بَعْضُهَا بَعْضَ النُّفُوسِ فَتَسْتَطِيعَ الصَّبْرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَاتِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ: «هِيَ
أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ»
. فَلِذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْعِبَادَةِ كُلِّهَا وَفِيهَا أَصْنَافٌِِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 16  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست