responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 75
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْعَطْفُ فِي الْحَالَيْنِ لِجَعْلِهَا مُسْتَقِلَّةً بِإِفَادَةِ مَضْمُونِهَا لِأَهَمِّيَّتِهِ مَعَ كَوْنِهَا مُكَمِّلَةً لِغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا أَكْسَبَهَا هَذَا الْمَوْقِعُ الْبَدِيعُ نَظْمَ الْجُمَلِ الْمُعْجِزِ وَالتَّنَقُّلَ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ بِمَا بَيْنَهَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ.
وَتَشْمَلُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما أَصْنَافَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ، فَشَمَلَ الْأُمَمَ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا حَلَّ بِهَا، وَشَمَلَ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِإِنْزَالِ الْعَذَابِ، وَشَمَلَ الْحَوَادِثَ الْكَوْنِيَّةَ الَّتِي حَلَّتْ بِالْأُمَمِ مِنَ الزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَالْكِسَفِ.
وَالْبَاءُ فِي إِلَّا بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِ خَلَقْنَا، أَيْ خَلْقًا مُلَابِسًا لِلْحَقِّ وَمُقَارِنًا لَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَقُّ بَادِيًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَالْمُلَابَسَةُ هُنَا عُرْفِيَّةٌ فَقَدْ يَتَأَخَّرُ ظُهُورُ الْحَقِّ عَنْ خَلْقِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْحَوَادِثِ تَأَخُّرًا مُتَفَاوِتًا. فَالْمُلَابَسَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْحَقِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مِنْ ظُهُورِ الْحَقِّ وَخَفَائِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَظْهَرَ فِي عَاقِبَةِ الْأُمُورِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ [سُورَة الْأَنْبِيَاء: 18] .
وَالْحَقُّ: هُنَا هُوَ إِجْرَاءُ أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى نِظَامٍ مُلَائِمٍ لِلْحِكْمَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْكَمَالِ وَالنَّقْصِ، وَالسُّمُوِّ وَالْخَفْضِ، فِي كُلِّ نَوْعٍ بِمَا يَلِيقُ بِمَاهِيَّتِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ، وَمَا يَصْلُحُ هُوَ لَهُ، بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ النِّظَامُ الْعَامُّ لَا بِحَسَبِ الْأَمْيَالِ وَالشَّهَوَاتِ، فَإِذَا لَاحَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمَوْصُوفُ مُقَارَنًا وَجُودُهُ لِوُجُودِ مَحْقُوقِهِ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَإِذَا لَاحَ تَخَلُّفُ شَيْءٍ عَنْ مُنَاسَبَةٍ فَبِالتَّأَمُّلِ وَالْبَحْثِ يَتَّضِحُ أَنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ مُنَاسَبَةً قَضَتْ بِتَعْطِيلِ الْمُقَارَنَةِ الْمَحْقُوقَةِ، ثُمَّ لَا يَتَبَدَّلُ الْحَقُّ آخِرَ الْأَمْرِ.
وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُظْهِرُهُ مَوْقِعُ الْآيَةِ عَقِبَ ذِكْرِ عِقَابِ الْأُمَمِ الَّتِي طَغَتْ وَظَلَمَتْ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَزَاءٌ مُنَاسِبٌ تَمَرُّدَهَا وَفَسَادَهَا، وَأَنَّهَا وَإِنْ أُمْهِلَتْ حِينًا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِحِكْمَةِ اسْتِبْقَاءِ عُمْرَانِ جُزْءٍ مِنَ الْعَالَمِ زَمَانًا فَهِيَ لَمْ تُفْلِتْ مِنَ الْعَذَابِ الْمُسْتَحَقِّ لَهَا، وَهُوَ مِنَ الْحَقِّ أَيْضًا فَمَا كَانَ إِمْهَالُهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 75
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست