responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 52
فِي النَّاسِ وَفِي غَوَايَتِكَ إِيَّاهُمْ وَهِيَ أَنَّكَ لَا تُغْوِي إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ، أَوْ أَنَّكَ تُغْوِي مَنْ عَدَا عِبَادِي الْمُخْلِصِينَ.
ومُسْتَقِيمٌ نَعْتٌ لِ صِراطٌ، أَيْ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ. وَاسْتُعِيرَتِ الِاسْتِقَامَةُ لِمُلَازَمَةِ الْحَالَةِ الْكَامِلَةِ.
وعَلَيَّ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوُجُوبِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ الْفِعْل الدَّائِم الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى [سُورَة اللَّيْل: 12] أَيْ أَنَّا الْتَزَمْنَا الْهُدَى لَا نَحِيدُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَعَظَمَةُ الْإِلَهِيَّةِ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِمَّا يُرْسَلُ مِنَ الْأَمْثَالِ الْقُرْآنِيَّةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَلَيَّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ- عَلَى أَنَّهَا (عَلَى) اتَّصَلَتْ بِهَا يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ- بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّ الْيَاءِ وَتَنْوِينِهَا- عَلَى أَنَّهُ وَصَفٌ مِنَ الْعُلُوِّ وُصِفَ بِهِ صِرَاطٌ، أَيْ صِرَاطُ شَرِيفٍ عَظِيمِ الْقَدْرِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ سُنَّةً فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَسَلَّطُ إِلَّا عَلَى مَنْ كَانَ غَاوِيًا، أَيْ مَائِلًا لِلْغَوَايَةِ مُكْتَسِبًا لَهَا دُونَ مَنْ كَبَحَ نَفْسَهُ عَنِ الشَّرِّ. فَإِنَّ الْعَاقِلَ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ وَسْوَاسُ الشَّيْطَانِ عَلِمَ مَا فِيهِ مِنْ إِضْلَالٍ وَعَلِمَ أَنَّ الْهُدَى فِي خِلَافِهِ فَإِذَا تُوِفِّقَ وَحَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْهُدَى وَصَرَفَ إِلَيْهِ عَزْمُهُ قَوِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، وَإِذَا مَالَ إِلَى الضَّلَالِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَاخْتَارَ إِرْضَاءَ شَهْوَتِهِ صَارَ مُتَهَيِّئًا إِلَى الْغَوَايَةِ فَأَغْوَاهُ الشَّيْطَانُ فَغَوَى. فَالِاتِّبَاعُ مَجَازٌ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ وَاسْتِحْسَانِ الرَّأْيِ كَقَوْلِهِ: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سُورَة آل عمرَان: 31] .
وَإِطْلَاقُ الْغاوِينَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْحُصُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَرِينَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَاوِيًا بِالْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ لِسُلْطَانِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَعَلُّقُ نَفْيِ السُّلْطَانِ بِجَمِيعِ الْعِبَادِ، ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ مَنْ كَانَ غَاوِيًا. فَلَمَّا كَانَ سُلْطَانُ الشَّيْطَانِ لَا يَتَسَلَّطُ إِلَّا عَلَى مَنْ كَانَ غَاوِيًا عَلِمْنَا أَنَّ ثَمَّةَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست