responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 50
وَالتَّزْيِينُ: التَّحْسِينُ، أَيْ جَعْلُ الشَّيْءِ زَيْنًا، أَيْ حَسَنًا. وَحُذِفَ مَفْعُولُ لَأُزَيِّنَنَّ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمُ الشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ فَيَرَوْنَهَا حَسَنَةً، وَأُزَيِّنُ لَهُمُ الْإِقْبَالَ عَلَى الْمَلَاذِّ الَّتِي تَشْغَلُهُمْ عَنِ الْوَاجِبَاتِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [212] .
وَالْإِغْوَاءُ: جَعْلُهُمْ غَاوِينَ. وَالْغَوَايَةُ- بِفَتْحِ الْغَيْنِ-: الضَّلَالُ. وَالْمَعْنَى: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ.
وَإِغْوَاءُ النَّاسِ كُلِّهِمْ هُوَ أَشَدُّ أَحْوَالِ غَايَةِ الْمُغْوِي إِذْ كَانَتْ غَوَايَتُهُ مُتَعَدِّيَةً إِلَى إِيجَادِ غَوَايَةِ غَيْرِهِ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: بِما أَغْوَيْتَنِي إِشَارَةٌ إِلَى غَوَايَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ وَهِيَ الَّتِي جَبَلَهُ عَلَيْهَا، فَلِذَلِكَ اخْتِيرَ لِحِكَايَتِهَا طَرِيقَةُ الْمَوْصُولِيَّةِ، وَيُعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الشَّيْطَانِ هَذَا طَفْحٌ بِمَا فِي جِبِلَّتِهِ، وَلَيْسَ هُوَ تَشَفِّيًا أَوْ إِغَاظَةً لِأَنَّ الْعَظَمَةَ الْإِلَهِيَّةَ تَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَزِيَادَةُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ عِنْدَ خُطُورِ الْغَوَايَةِ لِاقْتِرَانِ الْغَوَايَةِ بِالنُّزُولِ إِلَى الْأَرْضِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاخْرُجْ مِنْها [سُورَة الْحجر: 34] ، أَيِ اخْرُجْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ كَمَا جَاءَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قَالَ: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [سُورَة الْبَقَرَة: 2] ، وَلِأَنَّ جَعْلَ التَّزْيِينِ فِي الْأَرْضِ يُفِيدُ
انْتِشَارَهُ فِي جَمِيعِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الذَّوَاتِ وَأَحْوَالِهَا.
وَضَمَائِرُ: لَهُمْ، ولَأُغْوِيَنَّهُمْ ومِنْهُمُ، لِبَنِي آدَمَ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ عِلْمًا أُلْقِيَ فِي وِجْدَانِهِ بِأَنَّ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَتَكُونُ لَهُ ذَرِّيَّةٌ، أَوِ اكْتَسَبَ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ أَيَّامَ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَمَلَئِهِ.
وَجَعَلَ الْمُغْوَيْنَ هُمُ الْأَصْلُ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ لِأَنَّ عَزِيمَتَهُ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْإِغْوَاءِ، فَهُوَ الْمَلْحُوظُ ابْتِدَاءٌ عِنْدَهُ، عَلَى أَنَّ الْمُغْوَيْنَ هُمُ الْأَكْثَرُ. وَعَكْسُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ [سُورَة الْحجر: 42] . وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْمُسْتَثْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا الْعَكْسِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست