responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 334
وَالتَّفْضِيلُ فِي قَوْلِهِ: هُوَ أَعْلَمُ تَفْضِيلٌ عَلَى عِلْمِ غَيْرِهِ بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ عِلْمٌ مُتَفَاوِتٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْعَالِمِينَ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقَائِقِ.
وَفِي هَذَا التَّفْضِيلِ إِيمَاءٌ إِلَى وُجُوبِ طَلَبِ كَمَالِ الْعِلْمِ بِالْهُدَى، وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَغَوْصِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ، وَتَجَنُّبِ التَّسَرُّعِ فِي الْحُكْمِ دُونَ قُوَّةِ ظَنٍّ بِالْحَقِّ، وَالْحَذَرِ مِنْ تَغَلُّبِ تَيَّارَاتِ الْأَهْوَاءِ حَتَّى لَا تَنْعَكِسَ الْحَقَائِقُ وَلَا تَسِيرَ الْعُقُولُ فِي بِنْيَاتِ الطَّرَائِقِ، فَإِنَّ الْحَقَّ بَاقٍ عَلَى الزَّمَانِ وَالْبَاطِلُ تُكَذِّبُهُ الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ.
وَالتَّخَلُّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقُومُ مَقَامًا مِنْ مَقَامَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِرْشَادِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ سِيَاسَتِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَالِكًا لِلطَّرَائِقِ الثَّلَاثِ: الْحِكْمَةُ، وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ، وَالْمُجَادَلَةُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَإِلَّا كَانَ مُنْصَرِفًا عَنِ الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَغَيْرَ خَلِيقٍ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ، وَأَنْ يَخْشَى أَنْ يُعَرِّضَ مَصَالِحَ الْأُمَّةِ لِلتَّلَفِ، فَإِصْلَاحُ الْأُمَّةِ يَتَطَلَّبُ إِبْلَاغَ الْحَقِّ إِلَيْهَا بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ الثَّلَاثِ. وَالْمُجْتَمَعُ الإسلامي لَا يَخْلُو عَنْ مُتَعَنِّتٍ أَوْ
مُلَبِّسٍ وَكِلَاهُمَا يُلْقِي فِي طَرِيق المصلحين شواك الشُّبَهِ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ. فَسَبِيلُ تَقْوِيمِهِ هُوَ الْمُجَادَلَةُ، فَتِلْكَ أَدْنَى لِإِقْنَاعِهِ وَكَشْفِ قِنَاعِهِ.
فِي «الْمُوَطَّأِ» أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا فِي آخِرِ عُمْرِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ لَكُمُ السُّنَنُ، وَفُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ، وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ، إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا» وَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى. (لَعَلَّهُ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى الْمُمْسِكَةِ السَّيْفَ أَوِ الْعَصَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ) . وَهَذَا الضَّرْبُ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ مَا ذَكَرَ مَطْلَبٌ لِلنَّاسِ فِي حُكْمٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ بَيَانٌ فِي الشَّرِيعَةِ.
وَقَدَّمَ ذِكْرَ عِلْمَهُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ عَلَى ذِكْرِ عِلْمِهِ بِالْمُهْتَدِينَ لِأَنَّ الْمَقَامَ تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ لِلضَّالِّينَ، وَلِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ، فَالْوَعِيدُ مُقَدَّمٌ على الْوَعْد.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 334
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست