responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 328
وَهِيَ مِنْ حَيْثُ مَاهِيَّتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِكْمَةِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَا لَا يَخْرُجُ عَنِ الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ بِقَرِينَةِ تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ، إِذْ لَمْ يَعْطِفْ مَصْدَرَ الْمُجَادَلَةِ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ بِأَنْ يُقَالَ: وَالْمُجَادَلَةُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، بَلْ
جِيءَ بِفِعْلِهَا، تَنْبِيها عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ تَقْيِيدُ الْإِذْنِ فِيهَا بِأَنْ تَكُونَ بِالَّتِي هِيَ أحسن، كَمَا قَالَ: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سُورَة العنكبوت: 46] .
وَالْمُجَادَلَةُ: الِاحْتِجَاجُ لِتَصْوِيبِ رَأْيٍ وَإِبْطَالِ مَا يُخَالِفُهُ أَوْ عَمَلٍ كَذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ مَا لَقِيَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ قَدْ يَبْعَثُهُ على الغلظة عَلَيْهِم فِي الْمُجَادَلَةِ أَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُجَادِلَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَتَقَدَّمَتْ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ: تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها [سُورَة النَّحْل:
111] . وَتَقَدَّمَتْ مِنْ قَبْلُ عِنْدِ قَوْلِهِ: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [107] . وَالْمعْنَى: إِذا ألجأتك الدَّعْوَةُ إِلَى مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ فَحَاجِجْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ الْمُحَاجَّةُ الصَّادِرَةُ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْمُجَادَلَةَ تَقْتَضِي صُدُورَ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاجَّةُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ أَشَدَّ حُسْنًا مِنَ الْمُحَاجَّةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ: 96] .
وَلَمَّا كَانَتِ الْمُجَادَلَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْمُعَارِضِينَ صَرَّحَ فِي الْمُجَادَلَةِ بِضَمِيرِ جَمْعِ الْغَائِبِينَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ مُتَفَاوِتُونَ فِي كَيْفِيَّاتِ مُحَاجَّتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَاجُّ بِلِينٍ، مِثْلُ مَا
فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا» قَالَ: لَا والدماء
. وَقَرَأَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْن سَلُولٍ فِي مَجْلِسِ قَوْمِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ فَمن جَاءَك فحدّثه إِيَّاهُ وَمَنْ لَمْ يأتك فَلَا تغته وَلَا تَأْتِهِ فِي مَجْلِسِهِ بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 328
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست