responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 289
كَافِرَيْنِ وَكَانَ كِلَاهُمَا يَدْفَعُ النَّاسَ مِنَ اتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّ الْوَلِيدَ كَانَ يَخْتَلِقُ الْمَعَاذِيرَ وَالْمَطَاعِنَ فِي الْقُرْآنِ وَذَلِكَ مِنَ الْكَيْدِ، وَعُمَرُ كَانَ يَصْرِفُ النَّاسَ بِالْغِلْظَةِ عَلَنًا دُونَ اخْتِلَاقٍ، فَحَرَمَ اللَّهُ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الِاهْتِدَاءَ، وَهَدَى عُمَرَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَصْبَحَ الْإِسْلَامُ بِهِ عَزِيزَ الْجَانِبِ. فَتَبَيَّنَ النَّاسُ أَنَّ الْوَلِيدَ مِنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّ عُمَرَ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَقَدْ كَانَا مَعًا كَافِرَيْنِ فِي زَمَنٍ مَا.
وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ [سُورَة الزمر: 3] فَوَصَفَ مَنْ لَا يهديه الله بوصفين الْكَذِبِ وَشِدَّةِ الْكُفْرِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ مَنْ كَانَ الْإِيمَانُ مُنَافِيًا لِجِبِلَّةِ طَبْعِهِ لَا لِأَمْيَالِ هَوَاهُ. وَهَذَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مُعَرَّضًا لِلْإِيمَانِ، فَلِذَلِكَ لَا يَهْدِيهِ اللَّهُ، أَيْ لَا يُكَوِّنُ الْهِدَايَةَ فِي قَلْبِهِ.
وَهَذَا الْأُسْلُوبُ عَكْسُ أُسْلُوبِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [سُورَة يُونُس: 96] ، وَكُلٌّ يَرْمِي إِلَى مَعْنًى عَظِيمٍ.
فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِجَمِيعِ أَقْوَالِهِمُ الْمَحْكِيَّةِ وَالتَّذْيِيلِ لِخُلَاصَةِ أَحْوَالِهِمْ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ بِدُونِ عَطْفٍ.
وَعَطَفَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ عَلَى لَا يَهْدِيهِمُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى حِرْمَانِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَإِلْقَائِهِمْ فِي الشَّرِّ لِأَنَّهُمْ إِذَا حُرِمُوا الْهِدَايَةَ فَقَدْ وَقَعُوا فِي الضَّلَالَةِ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ [سُورَة الْحَج: 4] . وَيَشْمَلُ الْعَذَابُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَهُوَ عَذَابُ الْقَتْلِ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، ثُمَّ مِنْ إِهَانَةِ الْإِجْهَازِ عَلَيْهِ عقب ذَلِك.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 289
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست