responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 287
وَقِيلَ: كَانَ غُلَامٌ رُومِيٌّ اسْمُهُ بِلْعَامُ، كَانَ عَبْدًا بِمَكَّةَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَيْهِ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَكَانَ هَذَا الْعَبْدُ يَقُولُ: إِنَّمَا يَقِفُ عَلَيَّ يُعَلِّمُنِي الْإِسْلَامَ.
وَظَاهِرُ الْإِفْرَادِ فِي إِلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ عَبْدَانِ هَمَّا جَبْرٌ وَيَسَارٌ كَانَا قِنَّيْنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِ بَشَرٌ الْجِنْسُ، وَبِإِفْرَادِ ضَمِيرِهِ جَرَيَانُهُ عَلَى أَفْرَادِ مَعَادِهِ.
وَقَدْ كَشَفَ الْقُرْآنُ هَذَا اللَّبْسَ هُنَا بِأَوْضَحِ كَشْفٍ إِذْ قَالَ قَوْلًا فَصْلًا دُونَ طُولِ جِدَالٍ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ، أَيْ كَيْفَ يُعَلِّمُهُ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ لَا يَكَادُ يُبِينُ، وَهَذَا الْقُرْآنُ فَصِيحٌ عَرَبِيٌّ مُعْجِزٌ.
وَالْجُمْلَةُ جَوَابٌ عَنْ كَلَامِهِمْ، فَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَسْأَلُ سَائِلٌ: مَاذَا جَوَابُ قَوْلِهِمْ؟ فَيُقَالُ: لِسانُ الَّذِي ... إِلَخْ، وَهَذَا النَّظْمُ نَظِيرُ نَظْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته [سُورَة الْأَنْعَام: 124] .
وَأَلْحَدَ: مِثْلُ لَحَدَ، أَيْ مَالَ عَنِ الْقَوِيمِ. فَهُوَ مِمَّا جَاءَ مِنَ الْأَفْعَالِ مَهْمُوزٌ بِمَعْنَى
الْمُجَرَّدِ، كَقَوْلِهِمْ: أَبَانَ بِمَعْنَى بَانَ. فَمَعْنَى يُلْحِدُونَ يَمِيلُونَ عَنِ الْحَقِّ لِأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَاقُ مَعَاذِيرَ، فَهُمْ يَتْرُكُونَ الْحَقَّ الْقَوِيمَ مِنْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى أَنْ يَقُولُوا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، فَذَلِكَ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ وَهُوَ إِلْحَادٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِلْحَادِ الْمَيْلُ بِكَلَامِهِمُ الْمُبْهَمِ إِلَى قَصْدٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ وَسَكَتُوا عَنْ تَعْيِينِهِ تَوْسِعَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي اخْتِلَاقِ الْمَعَاذِيرِ، فَإِذَا وَجَدُوا سَاذَجًا أَبْلَهَ يَسْأَلُ عَنِ الْمَعْنِيِّ بِالْبَشَرِ قَالُوا لَهُ: هُوَ جَبْرٌ أَوْ بِلْعَامُ، وَإِذَا تَوَسَّمُوا نَبَاهَةَ السَّائِلِ تَجَاهَلُوا وَقَالُوا: هُوَ بَشَرٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِطْلَاقُ الْإِلْحَادِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِثْلُ إِطْلَاقِ الْمَيْلِ عَلَى الِاخْتِيَارِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْجُمْهُورُ يُلْحِدُونَ- بِضَمِّ الْيَاءِ- مُضَارِعُ أَلْحَدَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يُلْحِدُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ لَحَدَ مُرَادِفُ أَلْحَدَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِلْحَادُ فِي قَوْلِهِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست