responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 276
وَمَعْنَى طَلَبُ الْعَوْذِ بِاللَّهِ مُحَاوَلَةُ الْعَوْذِ بِهِ. وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي جَانِبِ اللَّهِ إِلَّا بِالدُّعَاءِ أَنْ يُعِيذَهُ. وَمِنْ أَحْسَنِ الِامْتِثَالِ مُحَاكَاةُ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِيمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَقْوَالِ بِحَيْثُ لَا يُغَيِّرُ إِلَّا التَّغْيِيرَ الَّذِي لَا مَنَاصَ مِنْهُ فَتَكُونُ مُحَاكَاةُ لِفْظِ «اسْتَعِذْ» بِمَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْعَوْذِ بِأَنْ يُقَالَ: أَسْتُعِيذَ، أَوْ أَعُوذُ، فَاخْتِيرَ لَفْظُ أَعُوذُ لِأَنَّهُ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ، فَفِيهِ إنْشَاء الطّلب بِخِلَاف لَفْظُ أَسْتَعِيذُ فَإِنَّهُ أَخْفَى فِي إِنْشَاءِ الطّلب، على أَنه اقْتِدَاءٍ بِمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ: 97] وَأَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ آيَةِ الِاسْتِعَاذَةِ عَلَى حَالِهِ. وَهَذَا أبدع الِامْتِثَال، فَقَدْ
وَرَدَ فِي عَمَلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْأَمْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «أُعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»
يُحَاكِي لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الِاسْتِعَاذَةِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ قِرَاءَة الْقُرْآن، فَلذَلِك لم يُحَاكِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِعَاذَتِهِ لِلْقِرَاءَةِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيءِ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ. وَمَا يُرْوَى مِنَ الزِّيَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَجَاءَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
مَنْ هَمْزِهِ إِلَخْ» . فَتِلْكَ اسْتِعَاذَةُ تَعَوُّذٍ وَلَيْسَتِ الِاسْتِعَاذَةُ لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
وَاسْمُ الشَّيْطَانِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى شَياطِينِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [14] .
والرَّجِيمِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ فِي سُورَةِ الْحجر [17] .
وَالْخطاب للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ عُمُومُهُ لِأُمَّتِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
وَإِنَّمَا شُرِعَتْ الِاسْتِعَاذَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ إِيذَانًا بِنَفَاسَةِ الْقُرْآنِ وَنَزَاهَتِهِ، إِذْ هُوَ نَازِلٌ مِنَ الْعَالَمِ الْقُدْسِيِّ الْمَلَكِيِّ، فَجَعَلَ افْتِتَاحَ قِرَاءَتَهُ بِالتَّجَرُّدِ عَنِ النَّقَائِصِ النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَلَا اسْتِطَاعَةُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ تِلْكَ النَّقَائِصَ عَنْ نَفْسِهِ إِلَّا بِأَنْ يسْأَل الله تَعَالَى أَنْ يُبْعِدَ الشَّيْطَانَ عَنْهُ بِأَنْ يَعُوذَ بِاللَّهِ، لِأَنَّ جَانِبَ اللَّهِ قُدْسِيٌّ لَا تَسَلُكُ الشَّيَاطِينُ إِلَى مَنْ يَأْوِي إِلَيْهِ، فَأَرْشَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ إِلَى سُؤَالِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 276
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست