responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 273
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى تَبْيِينٌ لِلْعُمُومِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ مَنْ الْمَوْصُولَةُ.
وَفِي هَذَا الْبَيَانِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ يَسْتَوِي فِيهَا الذُّكُورُ وَالنِّسَاءُ عَدَا مَا خَصَّصَهُ الدِّينُ بِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ. وَأَكَّدَ هَذَا الْوَعْدَ كَمَا أَكَّدَ الْمُبَيَّنَ بِهِ.
وَذُكِرَ «لَنُحْيِيَنَّهُ» لِيُبْنَى عَلَيْهِ بَيَانُ نَوْعِ الْحَيَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: حَياةً طَيِّبَةً. وَذَلِكَ الْمَصْدَرُ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَيْ لَنَجْعَلَنَّ لَهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. وَابْتُدِئِ الْوَعْدُ بِإِسْنَادِ الْإِحْيَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ تَشْرِيفًا لَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَهُ حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ مِنَّا. وَلَمَّا كَانَتْ حَيَاةُ الذَّاتِ لَهَا مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ كَثُرَ إِطْلَاقُ الْحَيَاةِ عَلَى مُدَّتِهَا، فَوَصَفَهَا بِالطِّيبِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، أَيْ طَيِّبٌ مَا يَحْصُلُ فِيهَا، فَهَذَا
الْوَصْفُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، أَيْ طَيِّبًا مَا فِيهَا. وَيُقَارِنُهَا مِنَ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ لِلْمَرْءِ فِي مُدَّةِ حَيَّاتِهِ، فَمَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسلمين الَّذين عمِلُوا صَالِحًا عَوَّضَهُ اللَّهُ عَنْ عَمَلِهِ مَا فَاتَهُ مِنْ وَعْدِهِ.
وَيُفَسِّرُ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: «هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ نَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا» .
وَالطَّيِّبُ: مَا يَطِيبُ وَيَحْسُنُ. وَضِدُّ الطيّب: الْخَبيث والسيّء. وَهَذَا وَعْدٌ بِخَيْرَاتِ الدُّنْيَا. وَأَعْظَمُهَا الرِّضَى بِمَا قَسَمَ لَهُمْ وَحُسْنُ أَمَلِهِمْ بِالْعَاقِبَةِ وَالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَعِزَّةُ الْإِسْلَامِ فِي نُفُوسِهِمْ. وَهَذَا مَقَامٌ دَقِيقٌ تَتَفَاوَتُ فِيهِ الْأَحْوَالُ عَلَى تَفَاوُتِ سَرَائِرِ النُّفُوسِ، وَيُعْطِي اللَّهُ فِيهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَرَاتِبِ هِمَمِهِمْ وَآمَالِهِمْ. وَمَنْ رَاقَبَ نَفْسَهُ رَأَى شَوَاهِدَ هَذَا.
وَقَدْ عَقَّبَ بِوَعْدِ جَزَاءِ الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ، فَاخْتَصَّ هَذَا بِأَجْرِ الْآخِرَةِ بِالْقَرِينَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الجزاءين.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 273
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست