responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 24
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ جُمْلَةِ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [سُورَة الْحجر:
9] إِذْ قَدْ يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ حِفْظَ الذِّكْرِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكْفُرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ. فَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِقَابٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِإِجْرَامِهِمْ وَتَلَقِّيهِمُ الْحَقَّ بِالسُّخْرِيَةِ وَعَدَمِ التَّدَبُّرِ، وَلِأَجْلِ هَذَا اخْتِيرَ لَهُمْ وَصْفُ الْمُجْرِمِينَ دُونَ الْكَافِرِينَ لِأَنَّ وَصْفَ الْكُفْرِ صَارَ لَهُمْ كَاللَّقَبِ لَا يُشْعِرُ بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [سُورَة التَّوْبَة: 125] .
وَالتَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي نَسْلُكُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِسْلَاكٌ فِي زَمَنِ الْحَالِ، أَيْ زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ تَلَقِّي الْمُشْرِكِينَ لِلْقُرْآنِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْرِمِينَ شِيَعُ الْأَوَّلِينَ مَعَ مَا يُفِيدُهُ الْمُضَارِعُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّجْدِيدِ الْمُنَاسِبِ لِقَوْلِهِ: وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ، أَيْ تَجَدَّدَ لِهَؤُلَاءِ إِبْلَاغُ الْقُرْآنِ عَلَى سُنَّةِ إِبْلَاغِ الرِّسَالَاتِ لِمَنْ قَبْلَهُمْ.
وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إِعْذَارٌ لَهُمْ لِيَحِلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ كَمَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ.
وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ هُوَ السَّلْكُ الْمَأْخُوذُ مِنْ نَسْلُكُهُ عَلَى طَرِيقَةِ أَمْثَالِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [143] .
وَالسَّلْكُ: الْإِدْخَالُ. قَالَ الْأَعْشَى:
كَمَا سَلَكَ السَّكِّيُّ فِي الْبَابِ فَيْتَقُ أَيْ مِثْلُ السَّلْكِ الَّذِي سَنَصِفُهُ نَسْلُكُ الذِّكْرَ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، أَيْ هَكَذَا نُولِجُ الْقُرْآنَ فِي عُقُولِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ يَسْمَعُونَهُ وَيَفْهَمُونَهُ إِذْ هُوَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُدْرِكُونَ خَصَائِصَهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ فِي عُقُولِهِمُ اسْتِقْرَارَ تَصْدِيقٍ بِهِ بَلْ هُمْ مُكَذِّبُونَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ [سُورَة التَّوْبَة: 124- 125] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست