responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 212
والْعُمُرِ: مُدَّةُ الْبَقَاءِ فِي الْحَيَاةِ، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعُمُرِ، وَهُوَ شَغْلُ الْمَكَانِ، أَيْ عُمُرَ الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها [سُورَة الرّوم: 9] . فَإِضَافَةُ أَرْذَلِ إِلَى الْعُمُرِ الَّتِي هِيَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْأَرْذَلِ حَقِيقَةً هُوَ حَالُ الْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ لَا نَفْسَ الْعُمُرِ. فَأَرْذَلُ الْعُمُرِ هُوَ حَالُ هَرَمِ الْبَدَنِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ، وَهُوَ حَالٌ فِي مُدَّةِ الْعُمُرِ. وَأَمَّا نَفْسُ مُدَّةِ الْعُمُرِ فَهِيَ هِيَ لَا تُوصَفُ بِرَذَالَةٍ وَلَا شَرَفٍ.
وَالْهَرَمُ لَا يَنْضَبِطُ حُصُولُهُ بِعَدَدٍ مِنَ السِّنِينَ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ والبلدان وَالصِّحَّة والاعتدال عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْزِجَةِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَهَذِهِ الرَّذَالَةُ رَذَالَةٌ فِي الصِّحَّةِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِحَالَةِ النَّفْسِ، فَهِيَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَتُسَمَّى أَرْذَلَ الْعُمُرِ فِيهِمَا، وَقَدِ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ.
وَلَامُ التَّعْلِيلِ الدَّاخِلَةُ عَلَى (كَيْ) الْمَصْدَرِيَّةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ تَشْبِيهًا لِلصَّيْرُورَةِ بِالْعِلَّةِ اسْتِعَارَةً تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا غَايَةَ لِلْمَرْءِ فِي ذَلِكَ التَّعْمِيرِ تَعْرِيضًا بِالنَّاسِ، إِذْ يَرْغَبُونَ فِي طُولِ الْحَيَاةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ الْإِقْصَارِ مِنْ تِلْكَ الرَّغْبَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِيَصِيرَ غَيْرَ قَابِلٍ لِعِلْمِ مَا لَمْ يُعلمهُ لِأَنَّهُ يبطىء قَبُولَهُ لِلْعِلْمِ. وَرُبَّمَا لَمْ يَتَصَوَّرْ مَا يَتَلَقَّاهُ ثُمَّ يُسْرِعُ إِلَيْهِ النِّسْيَانُ. وَالْإِنْسَانُ يَكْرَهُ حَالَةَ انْحِطَاطِ عِلْمِهِ
لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَبِيهًا بِالْعَجْمَاوَاتِ.
وَاسْتِعَارَةُ حَرْفِ الْعِلَّةِ إِلَى مَعْنَى الْعَاقِبَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ فِي مَقَامِ التَّوْبِيخِ أَوِ التَّخْطِئَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: [178] . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ قَرِيبًا فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [55] .
وَتَنْكِيرُ عِلْمٍ تَنْكِيرُ الْجِنْسِ. وَالْمَعْنَى: لِكَيْلَا يَعْلَمَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ، أَيْ لِيَزُولَ مِنْهُ قَبُولُ الْعِلْمِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست