responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 185
يَغْضَبُ إِنْ لَمْ نَلِدِ الْبَنِينَا ... وَإِنَّمَا نُعْطِي الَّذِي أُعْطِينَا
وَالتَّوَارِي: الِاخْتِفَاءُ، مُضَارِعُ وَارَاهُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَرَاءِ وَهُوَ جِهَةُ الْخَلْفِ.
ومِنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ الْمُفِيدِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: فَعَلْتُ كَذَا مِنْ أَجْلِ كَذَا، قَالَ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [سُورَة الْأَنْعَام: 151] ، أَيْ يَتَوَارَى مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْبِشَارَةِ.
وَجُمْلَةُ أَيُمْسِكُهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ يَتَوارى، لِأَنَّهُ يَتَوَارَى حَيَاءً مِنَ النَّاسِ فَيَبْقَى مُتَوَارِيًا من قومه أَيَّامًا حَتَّى تُنْسَى قَضِيَّتُهُ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيُمْسِكُهُ إِلَخْ، أَيْ يَتَوَارَى ويتردّد بَيْنَ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِحَيْثُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: أَأُمْسِكُهُ عَلَى هَوْنٍ أَمْ أَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ. وَالْمُرَادُ: التَّرَدُّدُ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ.
وَالْهُونُ: الذُّلُّ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [93] .
وَالدَّسُّ: إِخْفَاءُ الشَّيْءِ بَيْنَ أَجْزَاءِ شَيْءٍ آخَرَ كَالدَّفْنِ. وَالْمُرَادُ: الدَّفْنُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْوَأْدُ. وَكَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتِهِمْ، بَعْضُهُمْ يَئِدُ بِحِدْثَانِ الْوِلَادَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَئِدُ إِذَا يَفَعَتِ الْأُنْثَى وَمَشَتْ وَتَكَلَّمَتْ، أَيْ حِينَ تَظْهَرُ لِلنَّاسِ لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهَا. وَذَلِكَ مِنْ أَفْظَعِ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا مُتَمَالِئِينَ عَلَيْهِ وَيَحْسَبُونَهُ حَقًّا لِلْأَبِ فَلَا يُنْكِرُهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى الْفَاعِلِ.
وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ حُكْمًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ. وَأَعْلَنَ ذَمُّهُ بِحَرْفِ أَلا لِأَنَّهُ جَوْرٌ عَظِيمٌ قَدْ تَمَالَأُوا عَلَيْهِ وَخَوَّلُوهُ لِلنَّاسِ ظُلْمًا للمخلوقات، فأسند الحكم إِلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ جَارِيًا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ قَضَاءً لِحَقِّ هَذِه النُّكْتَة.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 185
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست