responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 172
إِلَهٍ لِلْخَيْرِ وَهُوَ النُّورُ، وَإِلَهٍ لِلشَّرِّ وَهُوَ الظُّلْمَةُ، فَإِلَهُ الْخَيْرِ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ إِلَّا الْخَيْرَ وَالْإِنْعَامَ، وَإِلَهُ الشَّرِّ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا الشَّرُّ وَالْآلَامُ، وَسَمُّوا إِلَهَ الْخَيْرِ (يَزْدَانُ) ، وَسَمُّوا إِلَهَ الشَّرِّ (آهْرُمُنُ) [1] . وَزَعَمُوا أَنَّ يَزْدَانَ كَانَ مُنْفَرِدًا بِالْإِلَهِيَّةِ وَكَانَ لَا يَخْلُقُ إِلَّا الْخَيْرَ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَالَمِ إِلَّا الْخَيْرُ، فَخَطَرَ فِي نَفْسِهِ مَرَّةً خَاطِرُ شَرٍّ فَتَوَلَّدَ عَنْهُ إِلَهٌ آخَرُ شَرِيكٌ لَهُ هُوَ إِلَهُ الشَّرِّ، وَقَدْ حَكَى هَذَا الْمَعَرِّي فِي لُزُومِيَّاتِهِ بِقَوْلِهِ:
فَكَّرَ يَزْدَانُ عَلَى غِرَّةٍ ... فَصِيغَ مِنْ تَفْكِيرِهِ أَهْرُمُنْ
وَلَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ لِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ صُوَرًا مُجَسَّمَةً، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دِينُهُمْ مِنْ عِدَادِ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ لِاخْتِصَاصِ اسْمِ الطَّاغُوتِ بِالصُّوَرِ وَالْأَجْسَامِ الْمَعْبُودَةِ. وَهَذَا الدِّينُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُشْبِهُ الْأَدْيَانَ الَّتِي لَا تَعْبُدُ صُوَرًا مَحْسُوسَةً. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا إِلَى قَوْلِهِ وَالْمَجُوسَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [17] .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ هُوَ الْمُرَادُ التَّعْقِيبُ بِآيَةِ مَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [سُورَة النَّحْل: 53] كَمَا سَيَأْتِي.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ عَطْفُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِجُمْلَةِ وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [سُورَة النَّحْل:
36] .
وَمَعْنَى وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ أَنَّهُ دَعَا النَّاسَ وَنَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى بُطْلَانِ اعْتِقَادِهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [سُورَة الْفَتْح: 15] وَقَوْلِهِ:
كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [سُورَة الْفَتْح: 15] .
وَصِيغَةُ التَّثْنِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: إِلهَيْنِ أُكِّدَتْ بِلَفْظِ اثْنَيْنِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاثْنِينِيَّةَ مَقْصُودَةٌ بِالنَّهْيِ إِبْطَالًا لِشِرْكٍ مَخْصُوصٍ مِنْ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ لَا

[1] يَزْدَان بتحتية مَفْتُوحَة وزاي سَاكِنة. وأهرمن بِهَمْزَة مَفْتُوحَة وهاء سَاكِنة وَرَاء وَمِيم مضمومتين وَنون سَاكِنة.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست