responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 13  صفحه : 23
وَيَقُولُونَ: أَغْنَى فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، أَيْ فِي أَجْزَاهُ عِوَضَهُ وَقَامَ مَقَامَهُ، وَيَأْتُونَ بِمَنْصُوبٍ فَهُوَ تَرْكِيبٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّ حَرْفَ (عَنْ) فِيهِ لِلْبَدَلِيَّةِ وَهِيَ الْمُجَاوَزَةُ الْمَجَازِيَّةُ. جَعَلَ الشَّيْءَ الْبَدَلَ عَنِ الشَّيْءِ مُجَاوِزًا لَهُ لِأَنَّهُ حَلَّ مَحَلَّهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ فَكَأَنَّهُ جَاوَزَهُ فَسَمَّوْا هَذِهِ الْمُجَاوَزَةَ بَدَلِيَّةً وَقَالُوا: إِنَّ (عَنْ) تَجِيءُ لِلْبَدَلِيَّةِ كَمَا تَجِيءُ لَهَا الْبَاءُ. فَمَعْنَى مَا أُغْنِي عَنْكُمْ لَا أُجْزِي عَنْكُمْ، أَيْ لَا أَكْفِي بَدَلًا عَنْ إِجْزَائِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ.
ومِنْ شَيْءٍ نَائِبٌ مَنَابَ شَيْئًا، وَزِيدَتْ مِنْ لِتَوْكِيدِ عُمُومِ شَيْءٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً [سُورَة يس: 23] أَيْ مِنَ الضُّرِّ. وَجَوَّزَ
صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً مَفْعُولًا مُطْلَقًا، أَيْ شَيْئًا مِنَ الْغَنَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً [سُورَة الْبَقَرَة:
48] ، قَالَ: أَيْ قَلِيلًا مِنَ الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً لَكِنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً مَفْعُولًا بِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا عَلَى مَعْنَى التَّوَسُّعِ بِالْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، أَيْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ.
وَجُمْلَةُ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِمَضْمُونِ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. وَالْحُكْمُ: هُنَا بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمَعْنَى الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ [سُورَة الطَّلَاق: 3] . وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُنَازِعَ مُرَادَ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنْ وَاجِبُهُ أَنْ يَتَطَلَّبَ الْأُمُورَ مِنْ أَسْبَابِهَا لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَقَدْ جَمَعَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ قَوْلُهُ: وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ.
وَجُمْلَةُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِأَخْذِ الْأَسْبَابِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ هُوَ مَعْنَى التَّوَكُّلِ الَّذِي يَضِلُّ فِي فَهْمِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اقْتِصَارًا وَإِنْكَارًا، وَلِذَلِكَ أَتَى بِجُمْلَةِ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أَمْرًا لَهُمْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 13  صفحه : 23
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست